قوله تعالى: {ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل 48 ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين 49}
  الحياة وآلات الطيران والطين فمن فعل اللَّه تعالى، وأما الطيران فمن فعل الطير، وإنما قال: «بِإِذْنِ اللَّهِ» ليعلم أنه فعله، وليس بفعل لعيسى # «وَأُبْرِئُ الأكمَهَ» يقال: أبرأت الرجل من الداء فبرئ، أي بلَّ، والأكمه: قيل: الذي ولد أعمى، عن ابن عباس وقتادة، وقيل: هو الأعمى، عن الحسن والسدي، وقيل: الأعمش، عن عكرمة، وقيل: الذي يبصر بالنهار دون الليل، عن مجاهد والضحاك «وَالأَبْرَصَ» الذي به برص «وَأُحْيِي الْمَوْتَى» وكل ذلك توسع ومجاز؛ لأن الإبراء والإحياء فعل اللَّه تعالى، وحقيقة الكلام أدعو اللَّه بإحياء الموتى فيحييهم ويحيون بأمره، وأدعو اللَّه بالبرء فيبرئهم، وقيل: إنه أحيا أربعة أنفس: عازر بعد ما مات وقُبِرَ بثلاثة أيام، وسام بن نوح، وابن العجوز، وابنه العاشر، وإنما خص عيسى # بهذه الأشياء؛ لأن الغالب على الناس في زمانه كان الطب والمعالجات، فأراهم المعجزة من جنس ذلك، ويعلم الإعجاز كما أن الغالب في زمن موسى # كان السحر، فأتاهم من جنسه بما أعجزهم، وكان الغالب في زمن نبينا ÷ الفصاحة والبيان، فأتاهم بمعجزة من جنس صناعتهم، ومثل هذا يكون غاية الإعجاز: أن يأتي بمثل ما هم عليه ثم يعجزون؛ إذ لو أتاهم بشيء لا يعرفونه لكان يجوز أن يظن أنه مقدور البشر، غير أنهم لا يهتدون إليه، وقيل: كانوا ربما يجتمع على عيسى في يوم واحد من المرضى خمسون ألفًا، ويداويهم بالدواء على شرط الإيمان، عن وهب، وقيل: كان يدعو عند إحياء الميت ب (ياحي يا قيوم) «وَأُنبِّئُكُمْ» أخبركم «بمَا تَأكُلُونَ» من غدائكم وعشائكم، «وَمَا تدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ» قيل: لما أبرأ الأكَمه والأبرص وأحيا الموتى قالوا: هذا سحر، فأنبئنا عما في بيوتنا، فأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم. وقيل: هذا كان في المائدة، كان ينزل عليهم أينما كانوا، وأمر القوم ألا يدخروا بعد ابتلاء ولا يخونوا، فخانوا وادخروا، فكان عيسى يخبرهم بذلك، عن قتادة، وقيل: لما خالفوه مسخوا خنازير على اختلاف في الرواية «إِنَّ فِي ذَلِكَ» أي فيما ذكرت لكم «لآيَةً» أي لحجة وعلامة «إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ» فاقبلوها، وقيل:
  من شرط الإيمان قبول ذلك.