التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل 48 ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين 49}

صفحة 1175 - الجزء 2

  · الأحكام: تدل الآية على أن عيسى # عُلِّمَ التوراة والإنجيل والعلم الذي يتعلق بالنبوة وهو الحكمة.

  وتدل على أنه كان متعبدًا بشريعة موسى إلا ما وقع فيه نسخ؛ لذلك علمه التوراة.

  وتدل على أنه كان مبعوثًا إلى جميع بني إسرائيل، خلاف ما قاله بعضهم أنه بعث إلى قوم منهم.

  وتدل على معجزات لعيسى.

  وتدل على جواز وصف العبد بأنه يخلق، وإن كان لا يطلق عليه ذلك، بل الخالق على الإطلاق هو اللَّه تعالى.

  وتدل على أن العبد يحدث ويفعل؛ لأن في الخلق زيادة على الإحداث، فيبطل في ذلك قول الْمُجْبِرَةِ في خلق الأفعال.

  وتدل على أنه قبل وجود الحياة في الطير لا يسمى طيرًا لفصله تعالى بين الحالين، فقال في أحدهما: «كَهَيئَةِ الطَّيرِ»، ثم قال: «فَيَكُونُ طَيرًا»؛ وذلك يصحح قول أبي هاشم: إنه اسم له إذا كان لحمًا ودمًا، وكذلك في الإنسان، خلاف قول أبي علي.

  وتدل على الفصل بين فعله تعالى وفعل عيسى؛ لأن عند النفخ، وهو فعله أطلق، وعند الإحياء وهو فعل اللَّه قال: «بِإِذْنِ اللَّه» وإنما أضاف الحياة إلى نفسه؛ لأنه كان عند دعائه ونفخه.

  وتدل على أن الروح جسم رقيق؛ لذلك وصف بالنفخ.

  وتدل على أن النفخ فعل العبد؛ لأنه أضافه إليه.

  وتدل على أن علم الغيب من المعجزات، يختص بها الأنبياء؛ لذلك قال: «وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ».