التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون 52 ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين 53 ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين 54}

صفحة 1179 - الجزء 2

  «مِنْهُمُ» يعني من قومه «الْكُفْرَ»، وذلك أنهم هموا بقتله وأخرجوه، فخرج وأمه يسيحان في الأرض فمر بالحواريين «قَالَ مَنْ أَنْصَارِي» معيني «إِلَى اللَّه» يعني مع اللَّه؛ أي يعينني مع معونة اللَّه، عن السدي وابن جريج، وقيل: من أنصاري في سبيل اللَّه، عن الحسن؛ لأنه دعاهم إلى سبيل اللَّه، وقيل: من أنصاري لله كقوله {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} ووجه ذلك أن الغرض يصلح فيه اللام على طريق العلة «قَالَ الْحَوَارِيُّونَ» قيل: كانوا صيادين يصطادون السمك، عن ابن عباس والسدي، وقيل: كانوا قصارين، واختلفوا لم سمي حواري؟ فقيل: لبياض ثيابهم عن سعيد بن جبير، وقيل: كانوا قصارين يُبَيِّضُون الثياب، عن ابن أبي نجيح، وقيل: كانوا خاصة الأنبياء عن قتادة والضحاك، وقيل: كانوا ملوكًا، عن الأصم، والأوجه ما حكيناه، عن قتادة؛ لأنهم سموا بذلك مدحًا لهم كأنه ذهب إلى نقاء قلوبهم كنقاء الأبيض، وقيل: الحواريون: الأنصار، والحواري: الناصر، عن الحسن، وقيل: الحواري الوزير، عن قتادة، وهذا يقرب من قوله الأول، «قَال الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّه» قيل: الأعوان في دين اللَّه وأعوان رسل اللَّه «آمَنَّا بِاللَّهِ» قيل: مر بهم وهم يصطادون فقال لهم: تعالوا نصطد الناس، قالوا: كيف ذلك، ومن أنت؟ قال: أنا عيسى ابن مريم عبد اللَّه ورسوله، فآمَنوا به واتبعوه، وقيل: سلمته أمه إلى صباغ، فكان كلما يشير عليه بشيء، فإذا هو أعلم منه، وأراد الصباغ سفرًا فقال له: ههنا ثياب مختلفة قد أعلمت على كل واحد بخيط على اللون الذي يصبغ به، فيجب أن تكون فارغا وقت قدومي وذهب، فطبخ عيسى حبًا واحدًا وجعل الجميع فيه، فقال: كوني بإذن اللَّه على ما أريد منك، فقدم الصباغ وسأله: ما فعلت؟ فأخبره بما فعل، فقال له: قد أفسدت الثياب، فقال: قم فانظر، فكان يخرج ثوبًا أخضر وثوبًا أحمر وثوبًا أصفر إلى أن أخرج الجميع على الألوان التي يريد كأحسن ما يكون، فجعلوا يتعجبون منه، فآمَنوا به، فهم الحواريون، وقيل: كان الحواريون اثني عشر رجلاً،