قوله تعالى: {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون 52 ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين 53 ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين 54}
  اتبعوا عيسى # فكانوا إذا جاعوا قالوا: يا روح اللَّه جعنا، فيضرب بيده إلى الأرض فيُخرج لكل واحد رغيفين، وإذا عطشوا قالوا: عطشنا يا روح اللَّه، فيضرب بيده إلى الأرض فيخرج ما يشربون.
  ويقال: لماذا استنصرهم، وإنما بعث بالوعظ دون الحرب؟
  قلنا: طلب ذلك للحماية من الكفار لما هموا بقتله عند إظهار الدعوة، عن الحسن ومجاهد، وقيل: طلب النصرة للتمكين من إقامة الحجة، وقيل: ليميز الموافق من المخالف، وقيل: دعاهم لينصروه على حربهم بدليل قوله تعالى: {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ١٤}.
  «آمَنَّا بِاللَّهِ» أي صدقنا أنه واحد لا شريك له «وَاشْهَدْ» يا عيسى لنا «بِأنا مُسْلِمُونَ» وقيل: اشهد يا رب بأنا آمنا بك، واتبعنا رسولك «بأنا مُسْلمُونَ» منقادون لأمرك ونهيك «رَبَّنَا» أي يا ربنا «آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ» من كتابك «وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ» اقتدينا به، وقبلنا ما جاء به من الدين، وعلمنا به، «الرَّسُولَ» يعني عيسى # «فاكتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ» قيل: أثبت أسماءنا مع أسماء الشاهدين لنفوز كما فازوا، وننال من الكرامة ما نالوا، وقيل: صِلْ ما بيننا وبينهم بالخلة على التقوى والمودة على الهدى وتجنب الردى، و «الشَّاهِدِينَ» قيل: الَّذِينَ شهدوا لأنبيائك بالصدق وهو الأليق بالآية، وقيل: مع النبيين، عن عطاء؛ لأن كل نبي شهد على أمته، وقيل: مع محمد وأصحابه وأمته، عن ابن عباس «وَمَكَرُوا» يعني كفار بني إسرائيل الَّذِينَ تقدم ذكرهم بقوله: «فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ» مكروا مكرًا «وَمَكَرَ اللَّه وَاللَّهُ خَيرُ الْمَاكِرِينَ» اختلفوا في معنى المكر المضاف إليهم، والمكر المضاف إلى اللَّه تعالى، قيل: مكروا بأن دبروا سرًّا واحتالوا في قتل المسيح؛ لأن عيسى بعد خروجه من بينهم عاد مع الحواريين إليهم، ودعاهم فهموا بقتله، واحتالوا، «وَمكَرَ اللَّه» أي ردهم بالخيبة لإلقائه شبه المسيح على غيره، عن السدي، وقيل: مكروا بإضمار الكفر، ومكر اللَّه مجازاتهم بالعقوبة، على ذلك سمي جزاء المكر مكرًا على مزاوجة الكلام كقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}، {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} قال الشاعر: