قوله تعالى: {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون 52 ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين 53 ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين 54}
  أَلا لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا ... فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا
  عن الزجاج، وقيل: مكرهم خِبٌّ وخديعة وحيلة، ومن اللَّه استدراج كقوله: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ١٨٢} قال ابن عباس: كلما أحدثوا خطيئة جدد عليهم نعمة، ثم يأخذهم بغتة، وقيل: مكرهم احتيالهم لقتله، ومكره أن يسلط عليهم فارس تقتلهم وتسبي ذراريهم، عن الأصم، وقيل: مكرهم همهم بقتله، ومكره رفعه إلى السماء، عن أبي مسلم، وعلى جميع الوجوه المضاف إليه تعالى حسن.
  فإن قيل: كيف ألقى شبه عيسى على غيره؟
  قلنا: قال ابن عباس: لما أراد ملك بني إسرائيل قتل عيسى دخل خوخة فيها كوة فرفعه جبريل من الكوة إلى السماء، فقال الملك لرجل: ادخل عليه اقتله فدخل، وألقى اللَّه شبه عيسى عليه، فخرج إلى أصحابه يخبرهم أنه ليس في البيت فقتلوه وصلبوه، وظنوا أنه عيسى، قال وهب: حبسوه في بيت ليقتلوه، فنصبوا خشبة ليصلبوه، وأرسل اللَّه الملائكة فحالوا بينه وبينهم، وأظلمت الأرض، فأخذوا رجلاً يقال له يهوذا، وهو الذي دلهم على المسيح، فألقى اللَّه شبهه عليه لما دخل البيت، ورفع عيسى، وأخذوا يهوذا، وصلبوه وقتلوه، وهو يصيح: أنا الذي دللتكم عليه، فلم يلتفتوا إليه، فلما كان بعد سبعة أيام أمره اللَّه تعالى فنزل على مريم والحواريين، وبثهم في الأرض دعاة إلى دينه، ثم رفعه اللَّه تعالى «وَاللَّهُ خَيرُ الْمَاكِرِينَ» أفضل المعاقبين، وقيل: المجازين على المكر، وقيل: خير المنتقمين، وقيل: هو أنصف الماكرين وأعدلهم، لأن مكرهم (ظلم قبيح)، ومكره عدل وإنصاف، وقيل: حملت مريم بعيسى، ولها ثلاث عشرة سنة، وولدت بعيسى في بيت لحم من أرض أُورشليم لمضي خمس وستين سنة من ملك الإسكندر على أرض بابل، ولإحدى وخمسين سنة من ملك الإشعانيين، وأوحى اللَّه إليه، وله ثلاثون سنة، وكانت نبوته