شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في صيام النذور والظهار وقتل الخطأ

صفحة 304 - الجزء 2

باب القول في صيام النذور والظهار وقتل الخطأ

  ولو أن رجلاً قال: «لله علي أن أصوم عشرين يوماً» لزمه صيامها، فإن نواها مجتمعة لزمه صيامها مجتمعة، وإن لم يكن نواها مجتمعة صامها كيف شاء، مجتمعة أو متفرقة. ولا يكون الإيجاب إلا بالأقاويل.

  ما ذكرناه أولاً منصوص عليه في الأحكام⁣(⁣١).

  وقولنا: إن الإيجاب لا يكون إلا بالأقاويل رواية يحيى # في الأحكام⁣(⁣٢) عن جده القاسم #، ودل عليه أيضاً كلامه.

  أما إذا لم ينو التتابع أو لم يشترطه لفظاً فله الخيار بين أن يصومها متتابعة أو متفرقة؛ لأن التتابع صفة زائدة على العدد، فإذا أتى بالعدد متعرياً عن تلك الصفة التي لم ينوها ولم يشترطها لفظاً فقد أدى ما ألزم نفسه، وهذا مما لا خلاف فيه.

  فأما إذا نوى التتابع فلا يجزي إلا متتابعاً؛ لأن النية ضرب من الإرادة، وللإرادة مسرح في إيقاع الفعل والقول على وجه دون وجه إذا كان يصح وقوعه عليه، كما أن العموم لما صلح للاستغراق وصلح للخصوص فمتى أريد به الخصوص وقع خاصاً، وكذلك اللفظ المحتمل كقولنا «قرء» لما احتمل الطهر واحتمل الحيض كان اللفظ لفظاً لما هو مراد به من الطهر والحيض، وكذلك القول في المجاز والحقيقة، فإذا ثبت ذلك وثبت أن قول القائل: «لله عليَّ أن أصوم عشرين يوماً» يحتمل أن يكون عشرين يوماً متتابعة وعشرين يوماً متفرقة وجب أن يصرف بالنية إلى أحدهما؛ لاحتمالهما جميعاً، ولهذا قال أصحابنا: إن النية في باب الأيمان أوكد من العرف؛ لأنه يقع بها القول على أحد المحتملين على ما بيناه، فإذا قال: «لله علي أن أصوم عشرين يوماً» ونوى التتابع صار التتابع كالمنطوق به، كما أنه تعالى لما قال: {فَاقْتُلُواْ اُ۬لْمُشْرِكِينَ}⁣[التوبة: ٥] وأراد الحربيين صار ذلك كالمنطوق به.


(١) الأحكام (١/ ٢٣٦).

(٢) الأحكام (١/ ٢٣٠).