باب القول في الوديعة
مسألة: [في المستودع يأخذ شيئاً من الوديعة ثم تتلف]
  قال: وإذا أودع رجل صرة فيها دراهم ففتح الصرة وأخذ منها شيئاً ثم تلفت الصرة ضمن ما أخذ، ولم يضمن ما تلف(١).
  إنما ضمن ما أخذ لأنه تعدى في أخذه، فهو بمنزلة الغاصب، والباقي لم يتعد فيه، فلا يضمنه؛ لأن المودع قد بينا أنه إنما يضمن بالتعدي.
  فإن قيل: لِمَ لا تقولون: إنه متعدٍ بتحريك الصرة ونقلها للفتح؟
  قيل له: لأن النقل والتحريك مأذون له فيهما؛ لأن الحافظ للشيء لا بد له من ذلك، فلم يكن ذلك تعدياً في الظاهر. وإن كان هو يعلم أنه نقلها وحركها ليأخذها لنفسه ثم اقتصر على أخذ بعضها فإنه يكون ضامناً للجميع، والظاهر ما ذكرناه في الكتاب، ومعنى قوله في المنتخب: «لا ضمان عليه؛ لأنه فتحها لسلف لا لتلفٍ» أنه لم يفتحها لأخذ ما تلف، فلم يكن تعدى فيه، وإنما فتحها ليأخذ ما أخذه، فكان تعديه مقصوراً عليه، فلذلك ضمنه دون ما تلف، والله أعلم.
  وأصحاب الشافعي خرجوا فتح الصرة على وجهين:
  أحدهما: أنه بالفتح يضمن الجميع.
  والثاني: أنه لا يضمن إلا المأخوذ. وهو قولنا(٢) على ما رتبناه وبيناه.
مسألة: [في تلف الوديعة بعد أن دفعها الوديع إلى أهله أو ولده أو من يثق به]
  قال: وإذا دفع المودع الوديعة إلى أهله وولده ومن يثق به ليحفظها في منزل المودع الذي يسكنه فتلفت لم يضمنها(٣).
  وهو قول زيد بن علي @، ذكره عنه أبو خالد(٤)، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
(١) المنتخب (٥٢٤).
(٢) في (أ، ب، ج، د): وهو على قولنا.
(٣) المنتخب (٥٢٤) وفيه: أهله أو ولده أو أحد ممن يثق به.
(٤) مجموع الإمام زيد بن علي @ (٢٠٠).