باب القول في الأطعمة
  #، إلا أن كلامه في الأحكام(١) في كتاب المناسك يدل على جواز أكله؛ لأنه قال: ولا يشترين ولا يأكلن - يعني المحرم - صيداً من طير ولا ظلف ولا حافر، مما صيد له أو لغيره. فلما منع من أكل ذي الحافر من الصيد للإحرام نبه بذلك على أن أكله جائز للمحل؛ لأن ما كان حظر أكله للإحرام جاز أكله للمحل.
  والأصل في ذلك الأخبار الكثيرة الواردة، منها: حديث صعب بن جثامة قال: مر بي رسول الله ÷ وأنا بالأبواء أو بودان فأهديت له لحم حمار وحش فرده علي، فلما رأى الكراهة في وجهي قال: «ليس بنا رد عليك، ولكنا حرم»، وروي هذا الحديث من طرق شتى وبألفاظ مختلفة، ووردت أخبار كثيرة سوى هذا دالة على إباحته تركنا ذكرها خشية الإطالة.
  فأما البغل فلا أحفظ فيه خلافاً أنه محرم أكله، فلا وجه للكلام فيه، على أنه إذا ثبت تحريم لحوم الخيل ولحوم الحمر فلا إشكال في تحريم البغل؛ إذا هو منهما.
مسألة: [في أكل الجراد والغراب الأسود الصغير الذي يلتقط الحب]
  قال القاسم #: لا بأس بأكل الغراب، وكذلك الجراد لا بأس بأكله.
  أما الجراد فلا خلاف في جواز أكله، لقوله ÷: «أحلت لكم ميتتان»، وإطلاق القول في جواز أكله من غير استثناء حال من حال يدل على أنه يؤكل على أي حال مات، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وحكي عن قوم أنه يحل منه ما صيد وهو حي، وذلك لا معنى له؛ لأن الخبر ورد مطلقاً فيه، ولم يرو عن النبي ÷ في استثنائه شيء.
  وأما الغراب فيجب أن يكون المراد به السود الصغار التي تلتقط الحب، وأما الأبقع فلا، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وذلك أن السود الصغار كسائر الطيور المباح أكلها، فأما الأبقع فله مخلب يعمل به، فهو من جملة ما قال النبي ÷
(١) الأحكام (١/ ٢٥٦).