باب القول في القسامة
  وحكى ذلك أبو الحسن الكرخي عن محمد، وذكر أبو جعفر الطحاوي(١) حبس الناكل؛ إذ اليمين قد لزمتهم وصارت حقاً لأولياء الدم، فمتى تقاعدوا عن إيفائها وجب حبسهم كما يجب في سائر الحقوق، وكما نقول فيمن ادعى حقاً على رجل فأنكره ونكل عن اليمين يحبس حتى يقر أو يحلف، فكذلك مسألتنا هذه.
  وقلنا: فإن أقر أخذ بجرمه لأن الجناية تلزمه بإقراره، ويحكم بها عليه كسائر إقراراته، ولأن القسامة وجبت لالتباس الأمر في القتل، فإذا زال الالتباس بإقراره لزمته الجناية وسقط حكم القسامة.
  وقلنا: تلزم الدية عواقل من حلف ومن لم يحلف لأن الأخبار عليه دلت على ما مضى، ولأن من لم يحلف لم يحلف لأن ولي الدم لم يحلفه، واختار غيره عليه، فلا يسقط عنه ما لزمه من الدية، يكشف ما قلناه أنهم لزمهم حقان: اليمين، والدية، فسقوط اليمين عن بعضهم لعدول أولياء الدم عنهم لا يوجب سقوط الحق الثاني، وهو(٢) الدية.
مسألة: فيمن كان غائباً من أهل بلد القسامة في الوقت الذي وجد فيه القتيل]
  قال: ومن كان غائباً من أهل تلك الدور والمنازل في الوقت الذي وجد فيه القتيل فلا قسامة عليه ولا دية(٣).
  ووجه ما ذهبنا إليه: أن القسامة لزمت والدية لأن الحال حال الظنة والتهمة؛ بدلالة أن من لا أثر به لا قسامة له ولا دية، وأن النساء والصبيان لا قسامة عليهم ولا دية؛ لأنهم ليسوا من أهل القتل والقتال، وإذا ثبت ذلك ثبت أن من عرف غيبته في الوقت الذي وجد القتيل فيه عن ذلك الموضع حصل
(١) شرح مختصر الطحاوي (٦/ ٥٠).
(٢) في (أ، ج): وهي.
(٣) الأحكام (٢/ ٢٣٢).