باب القول في الإحصار وفيمن يأتي الميقات عليلا
مسألة: [في أن المحصر يحدد للرسول وقتاً بعينه من اليوم ويحل بعده]
  قال: ويذكر له وقتاً من ذلك اليوم بعينه، فإذا كان بعد ذلك الوقت بقليل أو كثير حلق رأسه المحصر وأحل من إحرامه، ويستحب له أن يحتاط في تأخير الحلق عن الوقت الذي واعد رسوله أن ينحر فيه.
  وهذا منصوص عليه في الأحكام والمنتخب(١)، غير ما ذكرناه من الاستحباب فإنه منصوص عليه في الأحكام.
  وهو قول زيد بن علي @. وروي نحو قولنا عن عطاء، رواه هناد بإسناده. وعند غيرنا لا يحل حتى يعلم أنه قد نحره.
  ووجه ما ذهبنا إليه: أنه لم يؤخذ عليه العلم في ذلك؛ لأنه لا خلاف أنه لا يلزمه مشاهدته، وألا يراعى تواتر الأخبار عنه، وهذان هما طريقا العلم، فإذا ثبت ذلك ثبت أن المأخوذ عليه فيه غالب الظن، فإذا كان ذلك كذلك وغلب في ظنه أن النحر قد وقع جاز له أن يحل.
  فإن قيل: أنتم تقولون: إن الظن لا يكون له حكم حتى يكون حصوله عن أمارة، ووقوع النحر لا أمارة له عليه.
  قيل له: نحن لا نجوز الإحلال إلا إذا كان هناك أمارة، والأمارة تكون سلامة الطريق، وألا يكون بلغه عائق عرض للرسول مع جريان العادة أنه إذا عرض له نقل وحدث به، وأن يكون من واعده موثوقاً به، فإذا حصلت هذه الأمارات جاز أن يحصل له ظن يتعلق به الحكم. ويمكن أن تحرز العلة بأن يقال: لا خلاف أنه إذا بلغه أن النحر قد وقع عن نفسين أو ثلاثة جاز له الإحلال، فكذلك ما ذكرناه، والمعنى حصول غالب الظن بوقوع النحر عن أمارة صحيحة، ومعنى قولنا صحيحة: أن العادة جارية بكون مثلها أمارة للعقلاء.
(١) الأحكام (١/ ٢٧٢) والمنتخب (٢٠٣).