باب القول في خيار البيعين
  العقد حتى يفترقا، وكان التفرق وبينهما خيار يفسد الصرف - كان لا يصح الصرف بتة على وجه من الوجوه. ويمكن أن يجعل الصرف أصلاً نقيس عليه، فنقول: لما كان عقد الصرف لا تفتقر صحته إلى تفرق الأبدان ولا يثبت به الخيار فكذلك ما اختلفنا فيه، والمعنى أنه عقد بيع أو عقد معاوضة. وحديث مجاهد: «أن النبي ÷ كان إذا باع أو اشترى خير صاحبه» دليل على ما بيناه؛ لأن الخيار لو كان ثابتاً بالعقد لم يكن للتخيير معنى.
  ولا يجوز أن النبي ÷ كان يريد قطع الخيار؛ لأنه من الاستقصاء والتشدد وخلاف التفضل، وخلاف ما روي عنه ÷: «إن الله يحب العبد يكون سهل البيع سهل الشراء»(١).
مسألة: [في خيار الرؤية]
  قال: ولو أن رجلاً اشترى ثياباً أو سلاحاً أو طعاماً أو حيواناً أو غير ذلك من غير أن كان رآه رؤية مثله فله الخيار عند رؤيته، فإن شاء فسخ البيع وإن شاء أمضاه(٢).
  وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وهو قول زيد بن علي @، وأحد قولي الشافعي كذلك، وله قول آخر: إن البيع باطل إذا لم يكن رأى المبيع.
  والحجة فيما ذهبنا إليه قوله الله تعالى: {وَأَحَلَّ اَ۬للَّهُ اُ۬لْبَيْعَ وَحَرَّمَ اَ۬لرِّبَوٰاْۖ}[البقرة: ٢٧٤]، ولم يشترط الرؤية، وقال: {إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَٰرَةٌ عَن تَرَاضٖ}[النساء: ٢٩]، وقال: {وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْۖ}[البقرة: ٢٨١]، ولم يذكر الرؤية.
  ويدل على ذلك ما روي عن النبي ÷ أنه نهى عن تلقي الجلب، وقال: «لا تلقوا الجلب، فمن تلقى فاشترى شيئاً فهو بالخيار إذا أتى السوق»(٣). ولا وجه لهذا الخيار إلا خيار الرؤية؛ لأن العادة أن المتلقي يشتري الطعام وهو
(١) أخرجه في مجموع الإمام زيد بن علي @ (١٧٧) وأمالي أحمد بن عيسى (٣/ ١٥٤).
(٢) الأحكام (٢/ ٣١).
(٣) أخرج نحوه مسلم (٣/ ١١٥٧) وأبو داود (٢/ ٤٧٥) ولكن فيهما أن الخيار للبائع.