شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في القصاص

صفحة 400 - الجزء 5

  وفي رواية زيد بن علي يرفعه أن علياً # قال في شاهدين شهدا على رجل بالسرقة فقطع، ثم جاءا فقالا: يا أمير المؤمنين، غلطنا، فألزمهما الدية، وقال: (لو علمت أنكما تعمدتما قطع يده لقطعت أيديكما) فدل على أن اليد تقطع قصاصاً، وكذلك كل طرف يمكن قطعه. وعن النبي ÷: «لا يستقاد من الجروح حتى تبرأ»⁣(⁣١) فكل ما ذكرناه يوضح أمر القصاص في النفس فما دونها.

  وإنما اشترطنا في الجروح أن تكون مما تمكن الإحاطة بمقدارها ليكون القصاص واقعاً على التحقيق؛ لأن القصاص من حكمه أن يقع موقع جرح المقتص له، فإذا لم تمكن الإحاطة لم يصح القصاص، وإذا لم يصح لم يجب ولم يجز.

مسألة: [فيما لا قصاص فيه من الجروح]

  قال: ولا قصاص في المنقلة ولا الهاشمة ولا الآمة ولا الجائفة⁣(⁣٢).

  وهذا مما لا خلاف فيه؛ لأنه لا يمكن ضبط هذه الجراحات؛ لأن المنقلة والهاشمة والآمة لا يصح القصاص فيها إلا بكسر العظام، ولا يمكن أن تكسر على مقدار معلوم وحد محدود، وكذلك الجائفة لا يمكن فيها التحديد⁣(⁣٣) الصحيح؛ فلذلك سقط في جميع ذلك القصاص؛ لأنه متعذر لا يمكن. والأقرب - والله أعلم - أن القصاص لا يمكن إلا من الموضحة فقط؛ لأنها توضح عن العظم ولا تؤثر فيه، فمقدراها معلوم، وحدها مضبوط، وقد ذكر ذلك عن كثير من العلماء، ولم يختلفوا أن القصاص منها⁣(⁣٤) واجب، وأما ما دونها فالأقرب أن القصاص يتعذر فيه، فإن أمكن جاز، والله أعلم.

  قال: وكذلك إن كسر العظم أو قطع لا من المفصل بل من وسط العظم


(١) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٣/ ١٨٤).

(٢) الأحكام (٢/ ٢١٨) والمنتخب (٥٩٦).

(٣) في (أ، ج): التقدير. وفي نسخة فيهما: التحديد.

(٤) في (هـ): فيها.