شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في العمرى والرقبى

صفحة 484 - الجزء 4

باب القول في العمرى والرقبى

  العمرى والرقبى يجريان مجرى الهبة إن لم يقيدا بوقت، فإذا قال رجل لرجل: قد أعمرتك جاريتي هذه أو داري هذه أو غيرهما كان ذلك بمنزلة الهبة⁣(⁣١).

  قول أبي حنيفة: إن العمرى بمنزلة الهبة، وإن الرقبى باطلة. وقد قال: إنها عارية، ولعل المرجع بالعبارتين واحد.

  وحكي عن أبي يوسف أن الرجل إذا قال: لك داري هذه رقبى أنها هبة ويبطل قوله: رقبى.

  والشافعي اختلف قوله، فحكي عنه أنه قال في القديم: إنه يكون له حياته⁣(⁣٢) ثم يرجع إلى المعمر، وحكي ذلك عن مالك، وحكي أيضاً عن الشافعي في الجديد أن ذلك عطية صحيحة، وذكر أيضاً أن الرقبى صحيحة، وهي أن يقول: هي لك، فإن مت قبلي رجعت إلي، وإن مت قبلك كانت لك، فالشرط باطل والعطية صحيحة. وهذا قريب من قول أبي يوسف.

  وتحصيل مذهب يحيى #: أن العمرى والرقبى بمنزلة واحدة، إذا أطلقتا ولم تقيدا بوقت كانتا بمنزلة الهبة الصحيحة، وإذا قيدتا بوقت كانتا بمنزلة العارية. ودل كلام الناصر # على أنه يجعل العمرى المطلقة راجعة إلى من أعمرها، وإن ذكر العقب كانت بعد المعمَر لورثته.

  واعلم أن العمرى في اللغة مشتقة من العمر، ويجوز أن يكون عمر المعمر نفسه، كأنه عبر عن البقاء بالعمر، كأنه قال: هذه الدار أو الجارية لك ما بقيتُ.

  ولفظة الرقبى يجوز أن تكون مشتقة من الترقب، كأن كل واحد منهما يترقب موت صاحبه، ويجوز أن تكون مشتقة من الرقبة، كأنه يقول: قد جعلت رقبته لك، فلما احتملتا هذه الوجوه لم نحملهما على اللغة، ورجعنا إلى قضية الشرع


(١) الأحكام (٢/ ١٤٤) والمنتخب (٥٤٨).

(٢) في (أ، ب، ج، د): حياته له.