باب القول فيما يجب على المحرم من الكفارات
  فإن امتنعوا من إطلاق اسم الكفارة عليه كان ذلك باطلاً؛ لقوله تعالى: {أَوْ كَفَّٰرَةُ طَعَامِ مَسَٰكِينَ}[المائدة: ٩٧].
  ولا خلاف أن عدة من المحرمين لو اجتمعوا على عدة من الصيد فقتل كل واحد منهم صيداً أنه يلزم كل واحد منهم جزاء، فكذلك لو اجتمعوا والصيد واحد، والعلة أن كل واحد منهم أدخل نقص الصيد على إحرامه فوجب أن يلزمه جزاء كامل، ومما يبين صحة هذه العلة أنا قد علمنا أن الاعتبار إنما هو بالنقص الداخل على الإحرام، ألا ترى أن المانع من القتل هو حرمة الإحرام، وأن حلالاً لو شارك المحرم في القتل لم يكن على الحلال شيء؟
  فإن قيل على القياس الأول: ما أنكرتم أن ذلك لا يجوز أن يكون كفارة؛ لأنه يزيد وينقص بحسب المقتول، ولا يستقر على أمر واحد؟
  قيل له: هذا الاعتبار يرده النص، على أنه لا يمتنع أن تكون الكفارة تزيد وتنقص، وإن كان فيها ما لا يزيد ولا ينقص، كما أن في غير الكفارة ما لا يزيد ولا ينقص. وقياسنا يقتضي الإيجاب والاحتياط ومزية القرب، فكان أولى(١).
مسألة: [في تثنية ما يلزم بالمحظورات على القارن]
  قال: والقارن إذا قتل صيداً في غير الحرم فعليه جزاءان، وكذلك إن لبس ما لا يجوز له لبسه أو تداوى بدواء فيه طيب فعليه في كل ذلك جزاءان.
  وهذا منصوص عليه في الأحكام والمنتخب(٢) وهو قول زيد بن علي @، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه.
  وقال مالك والشافعي: عليه جزاء واحد.
  ووجه ما ذهبنا إليه: أنه هتك حرمة إحرامين بقتل الصيد، فوجب أن يلزمه جزاءان، كما أنه لو كان مفرداً لكل واحد من الإحرامين لزمه ذلك لهتك كل
(١) في (ب، د): فهو أولى.
(٢) الأحكام (١/ ٣٠٠) والمنتخب (١٩٢).