شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في المياه

صفحة 204 - الجزء 1

  فإن قيل: روي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: سئل النبي ÷ عن الحياض بين مكة⁣(⁣١) والمدينة تردها الكلاب والسباع، فقال: «لها ما أخذت في بطونها، وما بقي فلنا طهور»⁣(⁣٢).

  قيل له: هذا وارد في الحياض العظيمة، وقد بينا ما نذهب إليه في المياه الكثيرة بما لا طائل في إعادته، على أن هذا الخبر لو عارض سائر ما ذكرناه من الأخبار لكانت أخبارنا أولى؛ لكونها حاظرة.

  فإن قيل: الأمر بتكرير الغسل منه يدل على أن المراد به التعبد.

  قيل له: ذلك غير واجب، بل أولى من ذلك أن نقول: إنه يدل على تغليظ نجاسته.

  فأما الخنزير فالخلاف في نجاسته مما ليس بظاهر، وقد دل عليه صريح قوله تعالى: {أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٖ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ}⁣[الأنعام: ١٤٥]، والرجس في كلام العرب هو النجس، وإذا ثبت نجاسته بنص الكتاب ثبت نجاسة سؤره. وليس لأحد أن يقول: إن اللحم هو المراد بقوله: {فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ} دون الخنزير؛ لأن من حكم الكناية أن يرجع إلى أقرب مذكور، ألا ترى أنه لا التباس فيه إذا طال الكلام؟ فكذلك إذا قصر.

فصل: [في أنه يغسل من ولوغ الكلب ثلاثاً]

  لم ينص يحيى # على عدد الغسلات من ولوغ الكلب، وكان أبو العباس الحسني ¥ يخرج ذلك على الثلاث، وكذلك كان⁣(⁣٣) يقول في إزالة سائر النجاسات التي لا أثر لها.

  والوجه في ذلك أن أبا هريرة روى حديث السبع، ثم روي عنه ما أخبرنا به


(١) بمكة نخ.

(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١/ ٣٩١).

(٣) «كان» ساقطة من (ب، د).