كتاب الحدود
كتاب الحدود
  ينبغي للإمام ألا يجرد المحدود من جميع ثيابه، بل يترك عليه ثوباً واحداً، ولا ينبغي أن يشد يده(١) إلى عنقه، ويجب أن يكون السوط بين الدقيق والغليظ، وينبغي أن يكون إيجاع المحدود بحسب إطاقته له، ولا بد فيه من المبالغة على قدر احتماله(٢).
  لا ينبغي تجريده من جميع ثيابه لأن ذلك يبدي عورته، ولا يحل ذلك إلا عند الضرورة، ولا ضرورة هنا؛ لأن الثوب الواحد لا يخفف من الألم شيئاً، فلا فائدة في تجريده من جميع ثيابه، فوجب أن يكون ذلك محرماً.
  وروى زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي $ قال: (يجلد القاذف وعليه ثيابه، وينزع عنه الحشو والجلد)(٣).
  ولا ينبغي أن تشد يده إلى عنقه؛ لأن ذلك تعذيب لم يجب، وما زاد من الإيلام على الواجب إذا لم يتعلق به غرض صحيح يكون ظلماً، ولهذا قال الله تعالى: {مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَاۖ وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَيٰ إِلَّا مِثْلَهَا}[الأنعام: ١٦٠] فنبه على أن الزيادة من الألم في العقاب على المستحق لا يجوز كما يجوز ذلك في اللذة والنعمة.
  ويجب أن يكون السوط بين الدقيق والغليظ؛ لأن الغليظ ربما أدى إلى التلف، وذلك مما لا يجوز، فيجب أن يتوقى سببه ويحترز منه. والدقيق لا يؤلم كما يجب، فاختار الوسط، وقد قال ÷: «خير الأمور أوسطها»(٤).
  ولا بد من المبالغة على قدر احتماله، وذلك لما بيناه من أنه يجب أن يوصل إليه
(١) في (هـ): يديه.
(٢) الأحكام (٢/ ١٦٢، ٢٠٠) وذكر بعضه في المنتخب (٦٢٤).
(٣) مجموع الإمام زيد بن علي @ (٢٢٩).
(٤) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٣/ ٣٨٧).