باب القول في قضاء الصلوات
  أقر بشيء لزمه ولم يسقطه عنه إنكاره؛ لأن حكم العبادات مخالف لحكم الحقوق على ما بيناه، على أن الأصول تختلف في الإقرار؛ ألا ترى أن من أقر بشيء يوجب حداً ثم أنكره سقط ما أوجبه الإقرار من الحد، وإن كان في الإقرار ما إذا وقع لم يؤثر فيما اقتضاه الإنكار؟ فلم يجب أن يجري مجرى الحال فيه على أمر واحد.
  وأيضاً فإنا وجدنا أكثر ما في المرتد أن كفره يخالف كفر سائر الكفار في عدة من الإحكام، وقد وجدنا كفر سائر الكفار أيضاً يختلف كثيراً في أحكامها(١)؛ لأن الوثنية لا يقرون على كفرهم، ولا تؤخذ منهم الجزية، وأهل الكتاب يقرون على كفرهم، وتؤخذ منهم الجزية، وأهل الذمة لا يسبون، ولا تستباح دماؤهم، وأهل الحرب يسبون، وتستباح دماؤهم، ثم وجدنا كفرهم مع اختلاف أحكامهم لا يؤثر في أن لا قضاء لما تركوا معه من الصلوات، فوجب أن يكون كفر المرتد كذلك، إذ قد بان أن مخالفة الكفر لا تأثير لها في هذا الباب.
مسألة: [في كيفية قضاء الفوائت]
  قال: وإذا فاتته صلوات عدة قضاها كيف شاء، في وقت واحد أو أوقات مختلفة، ويقدم النية لكل صلاة.
  قال في المنتخب(٢): يجزيه إن قضى مع كل صلاة صلاةً أو صلاها في وقت واحد في موضع واحد، إذا قدم النية لكل صلاة.
  فصح من مذهبه أن لا ترتيب في قضاء الفوائت قلت أو كثرت.
  والدليل على ذلك: قول الله تعالى: {أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ}[الإسراء: ٨٧]، فأمر بإقامة الصلاة الواجبة عند الدلوك من غير استثناء كون الفوائت عليه، فوجب أن يقيم الصلاة الوجبة عند دلوك الشمس من عليه
(١) كذا في المخطوطات.
(٢) المنتخب (١٠١، ١٠٢).