شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في الدعوى والبينات

صفحة 195 - الجزء 6

مسألة: [في أن بينة الخارج أولى من بينة من الشيء في يده]

  قال: وإذا ادعى رجل شيئاً في يد رجل وأقام البينة على دعواه، وأقام الذي في يده الشيء أيضاً البينة أنه له - كانت البينة بينة الذي لم يكن الشيء في يده، ولم تسمع بينة الذي في يده الشيء⁣(⁣١).

  وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.

  وقال الشافعي: بينة من في يده الشيء أولى.

  والأصل في هذا: قول النبي ÷: «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه»، والاستدلال من هذا الخبر من وجوه:

  أحدها: أنه قد ثبت أنه ÷ جعل البينة حجة للمدعي في تقرير حقه الذي يدعيه، كما جعل اليمين حجة للمدعى عليه في قطع خصومة المدعي عنه، فمتى أقام المدعي البينة فقد أقام حجته، فوجب أن يحكم له؛ لأن الغرض في إقامة الحجة هو أن يحكم بها.

  فإن قيل: إنما تكون البينة حجة للمدعي إذا لم يقابلها بينة للمدعى عليه.

  قيل له: هذا خلاف ظاهر قول النبي ÷، وتخصيص له بغير حجة.

  فإن قيل: من أين لكم أن اسم المدعي يختص الخارج دون من في يده الشيء؟

  قيل له: لأن المدعي هو الذي يدعي خلاف الظاهر، والمدعى عليه هو الذي يقف مع الظاهر وينكر دعوى المدعي، وقد علمنا أن من في يده الشيء هو واقف مع الظاهر؛ لأن الظاهر يوجب أن من في يده الشيء هو له. على أن هذا لو لم يكن كذلك لم يكن لقوله: «البينة على المدعي» فائدة؛ لأن كل مدعى عليه إذا أنكر دعوى من يدعي عليه فقد تضمن إنكاره ضرباً من الدعوى، إلا أنه لا يسمى في الشرع مدعياً، فبما ذكرنا تتعلق فائدة قوله ÷ هذا. وأيضاً لا خلاف أن الذي يطالب بالبينة أولاً هو الخارج، [كما أن الذي يطالب باليمين


(١) الأحكام (٢/ ١٣٦) والمنتخب (٤٩٦).