باب القول في الأيمان
كتاب الأيمان والكفارات
باب القول في الأيمان
  الأيمان تصرف إلى النيات بعد أن يكون اللفظ مطابقاً لها في مجاز أو حقيقة، فإن لم تكن نية وكان للفظ عرف صرف إلى العرف، فإن لم يكن عرف صرف إلى صريح اللغة.
  قلنا: إن الأيمان تصرف إلى النيات لأن النيات هي القصود والإرادات، ووجدنا الألفاظ تقع مواقعها وتفيد فوائدها بحسب ما يضامها من القصود، والقصود لا تتغير أحوالها بحسب الألفاظ، بل تتغير أحوال اللفظ بحسب القصود؛ لأن الخبر يتعلق بالمخبَر بحسب القصد، وكذلك الأمر يكون أمراً بالقصد، ويصير العام خاصاً بالقصد، ويصير الخاص عاماً بالقصد، وتصير الحقيقة مجازاً ويفيد المجاز فائدة الحقيقة بالقصد، فلما وجدنا للقصود والإرادات - وهي النيات - هذا الحكم مع الألفاظ قلنا: إن ألفاظ الأيمان يجب أن تحمل على النيات.
  واشترطنا أن يكون اللفظ مطابقاً لها في حقيقة أو مجاز لأن الإرادة تؤثر في اللفظ إذا كانت الصورة هذه، ألا ترى أنه لو قال: «شربت الماء» وهو يريد دخل زيد الدار لم تؤثر فيه الإرادة، ولم يتعلق الخبر بدخول زيد الدار، ثم وجدنا العرف أقوى من أصل اللغة؛ لأن الغائط في أصل اللغة هو اسم للمكان المطمئن، وصار بالعرف اسماً لقضاء الحاجة المخصوصة، وكذلك الدابة اسم في اللغة لكل ما يدب، ثم صار اسماً للبهيمة المخصوصة، والنزهة اسم للتباعد، وصار بالعرف اسماً للحركة التي يطلب الإنسان بها الاستراحة والأنس، حتى صار لا يعقل بإطلاق هذه العبارات إلا ما تفيده عرفاً دون ما تفيده لغة، وصار ما تفيده لغة في حكم المجاز؛ لأنه لا يعرف إلا بدليل يقارنه، ولا يعرف بالإطلاق إلا ما يفيده عرفاً؛ فلذلك قلنا: إن ألفاظ الأيمان إذا لم تكن معها نية