شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في خيار البيعين

صفحة 120 - الجزء 4

باب القول في خيار البيعين

  البيعان بالخيار ما لم يفترقا تفرق الأقوال، ولا معنى لتفرق الأبدان⁣(⁣١).

  وهو قول زيد بن علي @، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك، وقالت الإمامية: التفرق تفرق الأبدان، وبه قال الشافعي.

  والذي يدل على صحة قولنا: قول الله تعالى: {يَٰأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِۖ ١}⁣[المائدة]، وقد عقدا البيع بينهما من غير شرط الخيار، فلو جعلنا لهما الخيار كنا أجزنا لهما ترك الوفاء بما عقدا، وذلك خلاف ما تضمنت الآية.

  ويدل على ذلك قول الله تعالى: {لَا تَأْكُلُواْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِالْبَٰطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَٰرَةٌ عَن تَرَاضٖ}⁣[النساء: ٢٩]، والتجارة هي البيع والشراء، وقد حصلا عن تراض، فوجب أن يجوز للمشتري أكله واستهلاكه، والقول بخلافه للخيار مخالف للآية. وقال: {وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْۖ}⁣[البقرة: ٢٨١]، والغرض به التوثقة، وإثبات الخيار له⁣(⁣٢) بعد العقد والإشهاد إبطال للتوثقة.

  وروي عن النبي ÷ أنه قال: «من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه»⁣(⁣٣). فتضمن ذلك إجازة البيع بعد القبض من غير ذكر الخيار.

  ومثله ما روي: أنه ÷ نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان: صاع البائع وصاع المشتري.

  وروي عنه #: (أنه لا يجزئ ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه).

  فعلق العتق بالشراء من غير اشتراط الافتراق، فدل على أن الملك يستقر بنفس العقد.

  ويؤكد ذلك قول النبي ÷: «المسلمون عند شروطهم»؛ لأن كل


(١) الأحكام (٢/ ١٨).

(٢) «له» ساقط من (هـ).

(٣) أخرجه البخاري (٣/ ٦٨) ومسلم (٣/ ١١٦٠).