باب القول في خيار البيعين
باب القول في خيار البيعين
  البيعان بالخيار ما لم يفترقا تفرق الأقوال، ولا معنى لتفرق الأبدان(١).
  وهو قول زيد بن علي @، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك، وقالت الإمامية: التفرق تفرق الأبدان، وبه قال الشافعي.
  والذي يدل على صحة قولنا: قول الله تعالى: {يَٰأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِۖ ١}[المائدة]، وقد عقدا البيع بينهما من غير شرط الخيار، فلو جعلنا لهما الخيار كنا أجزنا لهما ترك الوفاء بما عقدا، وذلك خلاف ما تضمنت الآية.
  ويدل على ذلك قول الله تعالى: {لَا تَأْكُلُواْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِالْبَٰطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَٰرَةٌ عَن تَرَاضٖ}[النساء: ٢٩]، والتجارة هي البيع والشراء، وقد حصلا عن تراض، فوجب أن يجوز للمشتري أكله واستهلاكه، والقول بخلافه للخيار مخالف للآية. وقال: {وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْۖ}[البقرة: ٢٨١]، والغرض به التوثقة، وإثبات الخيار له(٢) بعد العقد والإشهاد إبطال للتوثقة.
  وروي عن النبي ÷ أنه قال: «من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه»(٣). فتضمن ذلك إجازة البيع بعد القبض من غير ذكر الخيار.
  ومثله ما روي: أنه ÷ نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان: صاع البائع وصاع المشتري.
  وروي عنه #: (أنه لا يجزئ ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه).
  فعلق العتق بالشراء من غير اشتراط الافتراق، فدل على أن الملك يستقر بنفس العقد.
  ويؤكد ذلك قول النبي ÷: «المسلمون عند شروطهم»؛ لأن كل
(١) الأحكام (٢/ ١٨).
(٢) «له» ساقط من (هـ).
(٣) أخرجه البخاري (٣/ ٦٨) ومسلم (٣/ ١١٦٠).