باب القول في الأيمان
  أن من حلف ألا يخرج ضيفه من داره لم يحمل ذلك على التأبيد، وإنما يحمل على ما جرت به العادة من ذلك الضيف أن يختص عند ذلك المضيف؟ كذلك ما ذكرناه.
  فإن كانت عادة الرجل أن يمنعها على الدوام عن الخروج، وكان خروجها ذلك ندراً، فحلف ألا تخرج، فجلست ساعة ثم خرجت - حنث؛ لأن ذلك يقتضي التأبيد، وليست هناك عادة يجب قصر اليمين عليها.
مسألة: [فيمن قال لامرأته وهي راكبة: أنت طالق إن ركبت]
  قال: ولو أن رجلاً قال لامرأته وهي راكبة: أنت طالق إن ركبت هذه الدابة، فنزلت في الحال - فلا حنث عليه، وكذلك إن لبثت قليلاً عليها وهي في أهبة النزول وحركته ثم نزلت فلا حنث عليه، فإن لبثت بعد ذلك حنث، وكذا القول إن قال لها وهي لابسة ثوباً: أنت طالق إن لبست هذا الثوب(١).
  وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي، وحكى أبو بكر الجصاص(٢) عن زفر: قد حنث في يمينه عقيبها؛ لأنها حصلت لابسة بعد عقد اليمين إلى أن حصل النزع.
  والأصل فيه أن الركوب اسم للابتداء والاستمرار، وكذلك نقول: «لبس» إذا ابتدأ اللبس وإذا استمر، يدل على ذلك أنا نقول: «ركب» إذا ابتدأ الركوب وإذا استمر، وكذلك نقول: «فلان ركب من الغداة إلى العشي» و «ركب من موضع كذا إلى موضع كذا» وإن كان الابتداء مرة واحدة، ونقول: «لبس فلان قميصه كذا يوماً» وإن كان اللبس مرة واحدة، فإذا ثبتت هذه الجملة فمن قال لامرأته: «أنت طالق إن ركبت هذه الدابة» وهي راكبتها فكأنما قال: أنت طالق إن استمررت على ركوبها، وهكذا اللبس، فإذا نزلت في الحال أو أخذت في
(١) المنتخب (٣١٠).
(٢) شرح مختصر الطحاوي (٧/ ٤٢٨، ٤٢٩).