شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول فيمن تجب له الشفعة وكيفية وجوبها

صفحة 247 - الجزء 4

  وأجلس النصراني بين يديه، وقال: (لولا أنك ذمي ما جلست إلا معك)⁣(⁣١).

  فلم يسو بين مجلسه ومجلس خصمه - لأنه كان ذمياً - وإن كان فيه بعض الإيذاء.

  فلما كان ذلك كذلك لم يجعل للذمي شفعة على المسلم؛ إذ لا يدفع عنه جميع الأذى كما يدفع عن المسلم.

مسألة: [في أن الصحيح ثبوت الشفعة لأهل الذمة على المسلمين فيما لا يجب في غلته العشر]

  قال في المنتخب⁣(⁣٢): والشفعة تجب لأهل الذمة في الضياع والدور والحيوان والعروض، إلا الضياع التي تجب في غلاتها الأعشار.

  الصحيح عندي هو ما ذكره في المنتخب؛ لأن الأخبار الواردة في الشفعة ليس فيها تخصيص الذمي من المسلم، ولأن سائر الأحكام لا فرق فيها بين الذمي والمسلم، فوجب أن تكون الشفعة كذلك. ولأن هذا الجنس من الأذى مما يعظم ويبقى، فيجب أن يكون مرفوعاً عن أهل الذمة كما يرفع عن أهل الملة، مثل الرد بالعيب وخيار الرؤية وخيار الشرط وضمان رهونهم وما يجري مجراه، وقوله: «الإسلام يعلو ولا يعلى» ليس المراد به الحقوق والأحكام.

  فأما منعهم الشفعة فيما تجب فيه الأعشار فالمراد به إذا كان المشتري مسلماً، ووجهه أنه يؤدي إلى إسقاط حقوق الفقراء؛ لأن الذمي لا عشر عليه، فإن كان المشتري ذمياً توجهت الشفعة عليه للذمي.

  ولا شفعة للذمي في العبد المسلم تخريجاً.

  ووجهه: أنا نمنعه من إمساك العبد، فيجب أن نمنعه من أخذه بالشفعة، هذا إذا قلنا: لا يصح أن يملكه بالشراء، وإن قلنا: إنه يصح أن يملكه بالشراء ولكن يجبر على بيعه لم يمتنع أن تثبت فيه شفعته.


(١) أخرج نحوه الإمام أبو طالب في الأمالي (٩٤)، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٢٣٠).

(٢) المنتخب (٣٧٨).