باب القول في الدعوى والبينات
  وحكي عن الشافعية أنهم قالوا: إن كان الدافع شرط على الرسول أن يدفع إلى المرسل بالبينة فأعطاه بغير بينة ضمنه. وهذا الإطلاق عندي خطأ، ويجب أن يفصل ذلك فيقال: إن كان أعطاه مصدقاً له وشرط ذلك عليه فلا معنى للشرط؛ لأنه إذا صدقه فقد أقر أن المال قد صار ملكاً للمرسل بدفعه إلى الرسول؛ لأن قبض الرسول يكون قبض المرسل، وليس له أن يتحكم على مال المرسل، وإن أعطاه مكذباً وشرط ذلك فما قالوه صحيح؛ لأنه قد جعله وكيل نفسه على ما مضى بيانه، فإذا خالفه وكيله ضمن.
  قالوا: وإن لم يشترط البينة ودفعه إليه مطلقاً فعلى وجهين:
  أحدهما: أنه يضمنه(١)؛ لأن العادة أنه أمره أن يدفعه على وجه لا يلزمه ضمانه مرة أخرى، وتبرأ في الحكم ذمته.
  والثاني: أنه لا يضمنه.
  والصحيح هو الوجه الثاني؛ لأن العادة التي ادعوها في الوجه الأول غير ثابتة ولا معلومة؛ لأن الناس يتسمحون بتسليم الأموال ودفعها وقضاء الديون بغير بينة، فإذا لم يشترط البينة فليس لهم أن يدعوا أن العادة اقتضت ذلك الشرط.
مسألة: [في البائع والمشتري يختلفان في مقدار الثمن]
  قال: ولو أن رجلاً اشترى من رجل شيئاً فقال البائع: بعتك بعشرين درهماً، وقال المشتري: ابتعته منك بعشرة - كانت البينة على البائع، واليمين على المشتري(٢).
  وبه قال ابن شبرمة.
  وقال أبو حنيفة وأبو يوسف مثل قولنا إن كانت السلعة مستهلكة، وقالا: إن كانت السلعة قائمة تحالفا وترادا البيع.
(١) إذا لم يشهد. (شرح القاضي زيد).
(٢) المنتخب (٥١٢، ٥١٥).