شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في أدب القاضي

صفحة 142 - الجزء 6

  قيل له: العلة في ذلك أن الحق لا يستقر بالبينة⁣(⁣١) للغائب؛ لأن البينة تثبت مع الدعوى، ألا ترى أن المشهود له لو أكذب شهوده بطلت شهادتهم؟ فلا بد من أن يكون هناك دعوى للمدعي، فإذا غاب لم يصح الحكم، وليس كذلك المحكوم عليه؛ لأن قوله لا يؤثر في البينة، فوجب الفرق بينهما بما بيناه.

مسألة: [في الحجر على البالغ العاقل]

  قال: وليس للحاكم أن يحجر على البالغ الصحيح العقل، والعاقل أولى بماله إلا أن يفلس وترتكبه الديون.

  نص في الأحكام⁣(⁣٢) على إبطال الحجر، ودلت مسائله في المنتخب⁣(⁣٣) على أنه يفلسه للدين، حتى منع قبول إقراره بما في يده في حال التفليس. وجملة الخلاف في المسألة في موضعين:

  أحدهما: مع أبي حنيفة، فإنه يبطل الحجر على جميع الوجوه.

  والثاني: مع أبي يوسف ومحمد والشافعي، فإنهم يرون حجر السفه كما يرون حجر الدين على اختلاف في تفصيل ذلك بينهم؛ لأن الجميع أجمعوا على أن حجر الدين لا يكون إلا بالحاكم، وقال محمد في حجر السفه: إنه يكون محجورا عليه وإن لم يحجره الحاكم.

  والذي يدل على أنه لا وجه لحجر السفه قوله تعالى: {وَءَاتُواْ اُ۬لْيَتَٰمَيٰ أَمْوَٰلَهُمْۖ}⁣[النساء: ٢]، فعم ولم يخص.

  فإن قيل: قد قال الله تعالى: {فَإِنْ ءَانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداٗ فَادْفَعُواْ [إِلَيْهِمْ أَمْوَٰلَهُمْ]}⁣[النساء: ٦]، فأمر بدفع الأموال عند إيناس الرشد.

  قيل له: ليس فيه أنه إن لم يؤنس منه الرشد فلا تدفعوا. على أن الرشد هو


(١) في (هـ): إلا بالبينة.

(٢) الأحكام (٢/ ١١١).

(٣) المنتخب (٥٦٨).