باب القول فيما يفسد الصيام وفيما لا يفسده وفيما يلزم فيه الفدية
  قيل له: إنه لم يكلَّف الصوم، وإنما كلف الفدية بدلاً منه، وهو مستطيع لها وإن لم يستطع الصوم، وهذا كالمظاهر إذا لم يقدر على العتق جاز أن يكلف الصوم، فإن لم يقدر على الصيام جاز أن يكلف الإطعام، وكالمريض الذي لا يستطيع الصيام يكلف القضاء إذا قدر عليه.
  فإذا ثبت ذلك في الشيخ الهم كان من به عطش لازم قياساً عليه، بمعنى أن المانع له من الصوم مأيوس من زواله في غالب الأحوال، فوجب أن تلزمه الفدية.
  فإن قيل: فقول النبي ÷: «فإذا أطقت فصم» دليل على أن العارض غير مأيوس من زواله.
  قيل له: يجوز أن يكون النبي ÷ قصد إلى تعريفه الحكم في زوال العارض، وكان ذلك المستعطش بعينه ممن يرى زوال علته. ونحن نقول فيمن يكون كذلك: إنه لا فدية عليه، وإن سبيله سبيل سائر المرضى، وإنما نوجب الفدية على من كان الغالب في علته أنها لا تزول.
  وقد روي مثل قولنا في الشيخ الهم عن أنس، وابن عباس، وابن عمر، وسعيد بن جبير، وعطاء، وقيل: إنه لا يحفظ فيه خلاف بين الصحابة، وهو قول عامة الفقهاء.
  وحكي خلافه عن مالك وأبي ثور وصاحب الظاهر.
[مسألة: في أن من عزم على الإفطار ثم لم يفطر لا شيء عليه]
  نص الهادي # في المنتخب(١) على أن من عزم على الإفطار فصام ولم يفطر واستمر على صومه لا يكون بذلك مفطراً.
  والأصل في ذلك: أن النية لا تؤثر في إفساد الصحيح؛ ألا ترى أنه لو نوى فساد الصلاة لم تفسد صلاته، وإنما تأثيرها في إيقاع الفعل على وجه دون وجه، فأما مجردها فلا تأثير لها.
(١) المنتخب (١٧٨).