باب القول في السلم
مسألة: [في اشتراط خير أو أردأ ما يكون من المسلم فيه]
  قال: ولا يجوز أن يشترط في شيء مما يسلم خير ما يكون، بل يشترط الوسط(١).
  قوله: بل يشترط الوسط يدل على أن مذهبه أنه لا يجوز أن يشترط أردأ ما يكون.
  وحكي عن الشافعي أن اشتراط الأجود لا يجوز، وأن اشتراط الأردأ عنده على قولين.
  ووجه ما ذهبنا إليه: أن اشتراط الأجود يدخله في باب الجهالة، فكذلك الأردأ؛ لأنه ليس للأجود والأردأ حد يضبط، بل الأظهر في كل ما يقال فيه: إنه جيد أن يوجد ما هو أجود منه، وكذلك ما يقال فيه: إنه رديء، فلما كان اشتراط ذلك يؤدي إلى الجهالة وعظم التفاوت وجب أن يكون مبطلاً للسلم كما يبطله سائر ما يعظم تفاوته. فأما إذا اشترط الوسط من الجيد أو الوسط من الرديء فقد سلم من الجهالة، ومن أن يكون اشترط ما لا يمكن الوقوف عليه.
  فإن قيل: يصح في الأردأ، ثم يقال للمسلم إليه: أعطه أردأه، فما أعطاه أجبر المسلم على قبضه.
  قيل له: لا يمتنع أن يقول المسلم إليه: قد تعذر وجود الأردأ، بأن يقول في كل رديء: يجوز أن يكون أردأ منه، فيؤدي إلى تعذر التسليم.
مسألة: [في أنه لا يجوز في السلم اشتراط ما يجوز تعذره]
  قال: ولا يجوز إن كان المسلم فيه مما تنبت الأرض أن يشترط فيه ما يخرج من مزرعة بعينها، وإن كان لحماً أو لبناً ما يكون لإبل بأعيانها، أو بقر أو غنم بأعيانها، وإن كانت ثياباً أو إبريسماً ما كانت صنعة رجل بعينه أو ما يكون في محلة بعينها، ولا بأس أن يشترط ما يكون في بلد بعينه، وكذا القول في سائر ما جرى هذا المجرى، ولا يجوز أن يشترط فيه ما يجوز تعذره على هذا الحد(٢).
(١) الأحكام (٢/ ٥٦) والمنتخب (٤٠٨).
(٢) الأحكام (٢/ ٥١، ٥٩، ٦٣، ٦٨).