باب القول في اللواتي يحل ويحرم نكاحهن
  منه، فإذا ثبت ذلك فنحن خلينا بين من سألت عنه وبين ما صار إليه لأنه لم ينتقل عن ملة الإسلام، وإنما انتقل عن ملة كفر إلى ملة كفر.
  فإذا ثبت ما بيناه من اختلاف مللهم ثبت أن مناكحة بعضهم لبعض لا تصح؛ لاختلاف مللهم، دليله أن المناكحة بين المسلمين والذميين لا تجوز. ويمكن أن نبين ألا توارث بينهم؛ لقوله ÷: «لا توارث بين أهل ملل شتى» ثم يقال لهم: لم يثبت بينهم التوارث مع كون كل واحد منهم وارثاً وموروثاً، فوجب ألا يصح التناكح قياساً على الذمي والمسلمة؛ إذ لا خلاف فيه، أو قياساً على أهل الملة وأهل الذمة؛ إذ قد دللنا عليه.
مسألة: [في نكاح الحر للأمة]
  قال: ولا يحل للرجل أن يتزوج أمة إلا ألا يجد السبيل إلى الحرة.
  وهذا مما قد نبه عليه يحيى # في الأحكام والمنتخب(١). وذكر أبو العباس الحسني أن ابن جهشيار روى عن القاسم # حظر نكاحهن على الحر إلا باجتماع معنيين: عدم الطَول، وخشية العنت. وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك إذا لم يكن عنده حرة.
  والدليل على هذا قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَنْ يَّنكِحَ اَ۬لْمُحْصَنَٰتِ اِ۬لْمُؤْمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ اُ۬لْمُؤْمِنَٰتِۖ}[النساء: ٢٥] فليس يخلو المراد به من أن يكون إباحة نكاحهن أو جعل عدم الطول شرطاً في استباحة نكاحهن، وحمله على أن عدم الطول شرط في نكاحهن واستباحته أولى من حمله على الإباحة(٢)؛ لأنا قد علمنا وعقلنا الإباحة من سائر الظواهر، كقوله تعالى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ اَ۬لنِّسَآءِ}[النساء: ٣] وقوله ø: {وَأَحَلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمْ}[النساء: ٢٤] وقوله: {وَأَنكِحُواْ اُ۬لْأَيَٰمَيٰ
(١) الأحكام (١/ ٣١١)، المنتخب (٢٤٧).
(٢) في (ج): الاستباحة.