باب القول في الظهار
مسألة: [في صفة الرقبة المجزئة عن الكفارة]
  قال: ويجب أن تكون الرقبة التي يعتقها مؤمنة، بالغة أو غير بالغة، نحو أن يكون طفلاً أو مجنوناً، ولا يجوز أن تكون كافرة، ولا بأس أن يكون مكفوفاً أو أعرج أو أشل أو أخرس، والأفضل أن يكون سليماً بالغاً مسلماً.
  وهذا منصوص عليه في الأحكام(١).
  ووجه قولنا: إنه لا يجوز عتق الكافر: قول الله سبحانه وتعالى: {يَٰأَيُّهَا اَ۬لنَّبِےٓءُ جَٰهِدِ اِ۬لْكُفَّارَ وَالْمُنَٰفِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْۖ}[التحريم: ٩] وهو أن(٢) الله تعالى مدح الذين اشتدوا عليهم فقال سبحانه: {أَشِدَّآءُ عَلَي اَ۬لْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْۖ}[الفتح: ٢٩] وقد علمنا أن التحرير خلاف الغلظة والشدة عليهم، فوجب ألا يكون تحريرهم مأموراً به، فبان أن المأمور بتحريره من لا يكون كافراً.
  ويدل على ذلك: ما روي أن رجلاً جاء إلى النبي ÷ فقال: إن عليَّ رقبة، أفأعتق هذه؟ فامتحنها بالإيمان فقال: «أعتقها فإنها مؤمنة»(٣) فلما قال ÷: «أعتقها فإنها مؤمنة» دل ذلك على أن الإيمان سبب إجزاء العتق في البالغ العاقل.
  ويدل على ذلك: أن الكفارات يجب أن تكون قربة، وثبت أن عتق الكافر لا قربة فيه، فوجب ألا يكون المعتق له مكفراً.
  فإن قيل: ولم ادعيتم أن عتق الكافر لا قربة فيه؟
  قيل له: لأنا قد علمنا من دين المسلمين أنه لا قربة في أن يهدى إلى من يقصد لقطع الطريق أو محاربة الطائفة من المحقين المؤمنين ما يستعان به على السفر من الظهر والزاد وما جرى مجراهما، بل يذم من فعل ذلك، وكذلك لا قربة في أن
(١) الأحكام (٢/ ١٢٧).
(٢) كذا في المخطوطات، ولعلها: وأن.
(٣) أخرجه النسائي (٦/ ٢٥٢) وأحمد في المسند (٢٩/ ٤٦٤).