شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في الوقف

صفحة 500 - الجزء 4

مسألة: [في صحة الوقف وإن لم يخرجه الواقف من يده]

  قال: فكل من وقف شيئاً من ذلك وقفاً مطلقاً لم يجز له أن يرجع فيه ولا أن يبيعه ولا أن يهبه، سواء أخرجه من يده أو لم يخرجه.

  قد مضى الكلام في أنه لا يصح الرجوع فيه ولا البيع ولا الهبة، فلا معنى لإعادته. وذهب أبو يوسف والشافعي إلى أن الوقف يصح وإن لم يخرجه الواقف من يده، وهو قول يحيى بن الحسين #، وقال محمد: لا يصح إلا أن يخرجه من يده، وهو مذهب الإمامية.

  ويدل على صحة ما ذهبنا إليه أن الواقفين من الصحابة كعلي # وعمر وغيرهما⁣(⁣١) كانوا يلون صدقات أنفسهم، ولم يرو أنهم أخرجوها من أيديهم، فصار ذلك إجماعاً منهم، والنبي ÷ لما⁣(⁣٢) قال لعمر: «حبس أصلها وسبل ثمرها»، ولم يأمره بإخراجها من يده. وأيضاً الواقف يخرج ملكه لا إلى مالك، فيجب أن يتم بمجرد القول؛ دليله العتق. ويدل على أنه لا معنى لخروجه من يده أنه لو أخرجه إلى غيره كان ذلك الغير وكيلاً في القبض، ألا ترى أنه يقبضه بإذنه وأمره لا لنفسه ولا بأمر غيره؟ ويد الوكيل يد الموكل، فكأنه لم يخرجه من يده وإن أخرجه من يده⁣(⁣٣)، فبان أنه لا فائدة.

  فإن قيل: يقبضه الموقوف عليه لنفسه.

  قيل له: قد يكون في الوقف ما هو وقف على المساجد والقناطر وعلى مساكين لا بأعيانهم، فكيف يصح ذلك ولم يفرق أحد من المسلمين في هذا الباب بين شيء من هذه الأوقاف؟ ولا يصح رد من خالفنا في ذلك إلى صدقة الأعيان؛ لأنا نصححها أيضاً بغير القبض.


(١) في (أ، ب، ج، د): وغيره.

(٢) شكل في (د) على «لما»، قال في هامشها: وعبارة شرح القاضي زيد: لنا ما روي عن النبي ÷ أنه قال لعمر: «حبس الأصل وسبل الثمرة» ... إلخ.

(٣) «من يده» ساقط من (هـ).