شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في الإحصار وفيمن يأتي الميقات عليلا

صفحة 556 - الجزء 2

  واستدلوا على ذلك بأن النبي ÷ أمر من فاته الحج بعمرة وحجة؛ لأنه أمره أن يتحلل بعمرة، وألزمه مع ذلك قضاء الحج.

  قيل لهم: هذا الاستدلال على أصولكم لا يصح؛ لأن دم الإحصار عندكم يجب أن يكون نائباً مناب عمل العمرة، فلا يجب أن تلزمه إعادته؛ لحصول بدله، فأما نحن فلا نسلم أن الذي لزمه من الطواف والسعي عمرة مبتدأة؛ لأن ذلك لو كان كذلك لوجب أن يكون إحرامه قد انقلب وصار إحراماً لعمرة حكماً، ولو كان كذلك لم يلزمه قضاء الحج؛ لأنه يكون قد أتى بما أوجب إحرامه، وإنما نقول: إنه أمر بباقي أعمال الحج، وأسقط عنه من جملته الرمي والكون بمنى، فعلى هذا لا يلزمنا إيجاب حجة وعمرة عليه. على أنا لا نختلف أنه إذا أحصر المتمتع فليس عليه إلا قضاء العمرة فقط، كذلك إذا أحصر المفرد بالحج والمعنى أن كل واحد منهما لم يلزم نفسه بإحرامه غيره فوجب ألا يلزمه سواه إذا خرج من إحرامه قبل أن يتمه.

مسألة: [في أنه يجب على المحصر إذا تخلص قبل فوات الحج أن يتوصل إليه بما لا يجحف به]

  قال: ولو أن محصراً تخلص من إحصاره في وقت ضيق ووجد مركوباً سريعاً يعلم أنه يلحق عليه الحج لزمه اكتراؤه بالغاً ما بلغ الكراء بعد ألا يجحف بنفقته، فإن خاف ذلك لم يلزمه.

  وهذا منصوص عليه في الأحكام⁣(⁣١).

  ووجهه: قول الله تعالى: {وَأَتِمُّواْ اُ۬لْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِۖ}⁣[البقرة: ١٩٥]، فإذا تمكن من الإتمام على وجه لا يلزمه فيه مشقة عظيمة ولا يجحف بحاله إجحافاً مؤدياً إلى الضرر العظيم وجب عليه الإتيان به. ولا خلاف أنه إذا وجده بثمن مثله لزمه


(١) الأحكام (١/ ٢٧٣).