باب القول في كيفية وجوب الزكاة
مسألة: [في أن ما يأخذه السلطان الجائر لا يسقط الزكاة]
  قال: وما يأخذ السلطان الجائر لا يسقط الزكاة الواجبة.
  وهذا منصوص عليه في الأحكام(١).
  إذا أخذ السلطان الجائر زكاة رجل نظر فيه: فإن أعطاه طوعاً ليضعها في أهلها وعلم أنه يضعها فيهم أجزت؛ لأن المتغلب إذ ذاك يجري مجرى الوكيل، ولا خلاف أن وكيل رب المال إذا فرق الزكاة أجزت عنه.
  وقد نص على ذلك في زكاة الفطر حيث يقول: فإن لم يجد المخرج مستحقاً لها في بلده وعرفه في غير بلده وجه بها إليه.
  ومن يوجهه رب المال يكون وكيلاً له، ولم يشترط فيه أن يكون براً أو فاجراً، فلذلك قلنا: إن المتغلب الجائر إذا أخذ الزكاة بإذن ربها ووضعها في مواضعها أجزت عنه، فأما إذا أخذها بإذن أهلها ولم يضعها في مستحقها، أو أخذها كرهاً من أصحابها لم تجز عن رب المال؛ لأن الإجزاء يتعلق حينئذ بالولاية، والله تعالى لم يجعل للظالم هذه الولاية؛ بدلالة قوله تعالى لإبراهيم ÷: {قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِےۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِيَ اَ۬لظَّٰلِمِينَۖ ١٢٣}[البقرة].
  فإن قيل: قد قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}[التوبة: ١٠٣]، وقال ÷ لمعاذ: «خذ من أغنيائهم ورد في فقرائهم». فأمر بالأخذ من أرباب الأموال.
  قيل له: نحن نوجب أخذها من أربابها على النبي ÷ والإمام ومن يقوم مقامهما، وليس في شيء من ذلك دليل على أن المتغلب الجائر له أخذها منهم. على أنه لا خلاف أن اللص أو قاطع الطريق أو المتغلب الجائر [الحربي](٢) إذا أخذ الزكاة لم يجز، فكذلك إذا أخذها المتغلب الظالم، والمعنى أن الآخذ لها فاسق.
(١) الأحكام (١/ ١٨٣).
(٢) ما بين المعقوفين مظنن به في المخطوطات، وفيها: كذا في تعليق ابن أبي الفوارس.