شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في الضوال واللقط

صفحة 369 - الجزء 6

  فإن قيل: حكم كونها في يد صاحبها وحكم كونها في ذلك المكان الذي أخذها منه قد استويا؛ بدلالة أنه لا يجب أن يزيلها عنهما، فإذا ردها إلى مكانها فكأنه ردها إلى يد صاحبها.

  قيل له: إنهما وإن اتفقا من هذا الوجه فقد اختلفا في وجه آخر، وهو أن أخذها من يد صاحبها بغير إذنه محظور، وأخذها من ذلك المكان بغير إذن صاحبها غير محظور، فيجب ألا يكون ردها إلى مكانها مثل ردها إلى يد صاحبها. وأيضاً لو أخذها لنفسه ثم ردها إلى ذلك المكان لم يبرأ من ضمانها، ولو ردها إلى يده برئ منه، فبان من هذا الوجه أيضاً اختلافهما في الحكم.

  فإن قيل: المودع دلالة لنا؛ لأنه لا يلزمه ضمان بأن يصير المأخوذ إلى ما كان عليه قبل أخذه، بعلة⁣(⁣١) أن كل واحد منهما بحيث لو هلك لا ضمان فيه على أحد، وقد نقله عما كان عليه إلى يده متبرعاً.

  قيل له: هذا ينقلب عليكم؛ لأن الوديعة لما لم تكن تضمن بأن تصير إلى ما كانت عليه لم يختلف حكم الأماكن، فكذلك يجب ألا يختلف حكم الأماكن في وضع اللقطة فيها، وذلك يصحح مذهبنا.

فصل: [في عدم ضمان اللقطة إذا تلفت وإن أخذها الملتقط بغير إشهاد]

  أطلق يحيى # أنها إذا تلفت لم يضمن، ولم يشترط الإشهاد، فدل ذلك من مذهبه على أنه لا يوجب على الملتقط ضمانها وإن أخذها بغير إشهاد، وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي، وقال أبو حنيفة: يضمن إذا لم يكن أشهد حين الالتقاط.

  والأصل فيه: حديث زيد بن خالد أن رسول الله ÷ سئل عن لقطة الذهب والورق فقال: «اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها، فإن لم تعرف فاستنفع بها، ولتكن عندك وديعة»، قيل: فضالة الغنم، قال: «لك أو لأخيك


(١) هنا سقط ظاهر.