باب القول في الأيمان
  يحنث؛ لأن اللبن إذا جعل هذه الأشياء فقد خرج عن كونه لبناً وزالت الصفة التي بها تعلقت اليمين، وكذلك إذا حلف ألا يأكل سمناً فأكل زبداً لم يحنث؛ لأن الزبد ليس بصفة للسمن، واليمين بالسمن تعلقت.
  فأما إذا تعلقت اليمين على عين ووصفت العين بصفة، ودخلت الصفة للتعريف القائم مقام الإشارة، ولم تتعلق اليمين بالصفة - فإن اليمين متعلقة بتلك العين أبداً، ويقع الحنث فيها، وذلك كأن يحلف أنه لا يكلم هذا الشاب لشاب بعينه، ألا ترى أن اليمين تعلقت بعينه، وذكر الشاب دخل فيه على سبيل التعريف لا لأن تتعلق اليمين به، فمتى كلمه حنث، في حال شبابه أو بعد شيخوخته، وكذلك إذا حلف ألا يهب لهذا الرضيع شيئاً وأشار إلى رضيع بعينه؛ لأنه علق اليمين على شخصه، وأدخل الوصف له بالرضاع للتعريف، فمتى وهب له شيئاً في حال رضاعه أو بعد فطامه أو في حال شيخوخته حنث، فإذا ثبتت هذه الجملة صح ما قلنا من أنه إذا حلف ألا يأكل هذا اللبن أو من هذا اللبن شيئاً فصير شيرازاً أو إقطاً أو مصلاً أو جبناً ثم أكل حنث؛ لأن يمينه تعلقت على تلك العين، والعين هي هو وإنما تغيرت صفاته، وهكذا إن حلف ألا يأكل التمر فصير خلاً أو رباً حنث للوجه الذي بيناه.
مسألة: [فيمن حلف ألا يأكل التمر فأكل الزهو أو الرطب]
  قال: وإن حلف ألا يأكل التمر فأكل الزهو أو الرطب حنث، إلا أن يكون نوى التمر اليانع اليابس فلا يحنث(١).
  ووجهه: أن اسم التمر يتناول الرطب والزهو كما أن اسم العنب يتناول الحصرم واليانع، فوجب أن يحنث فيه. فإن كان نوى اليانع منه كان على ما نوى؛ لما بيناه أن النية أقوى في هذا الباب، وأن اللفظ يجب أن يحمل عليها على ما سلف القول فيه.
(١) المنتخب (٣٠٩).