باب القول في الرضاع
مسألة: [في أن الرضاع يحرم على الفحل كما يحرم على المرأة]
  قال: ويحرم الرضاع على الفحل كما يحرم على المرأة. وتحريم الرضاع كتحريم النسب سواء.
  وهذا منصوص عليه في الأحكام(١)، وهو قول زيد بن علي والناصر للحق @ وعامة الفقهاء. وحكي عن صاحب الظاهر أنه لا يحرم عليه، وحكى أبو بكر الجصاص(٢) أنه قول مالك في عدة من المتقدمين.
  ووجه ذلك: ما روي عن عائشة أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن عليها فحجبته ثم عرفت رسول الله ÷ ذلك فقال: «ائذني له» وفي بعض الأخبار: «لا تحتجبي منه؛ فإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وقد مضى إسناده في أول كتاب النكاح، وزوجة أبي القعيس هي التي كانت أرضعت عائشة، فدل ذلك على أنها حرمت على أبي القعيس لكونها محرمة على أخيه أفلح، فبان به صحة ما ذهبنا إليه.
  ويدل على ذلك مجرد قوله ÷: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فكما أن ابنة الرجل نسباً محرمة عليه يجب أن تحرم عليه ابنته من الرضاعة(٣).
  ويدل على ذلك أن الولادة لما كانت سبباً يوجب انتشار الحرمة اشترك الوالدان في حرمته، فوجب أن يشتركا في حرمة الرضاع؛ لأنه سبب يوجب انتشار الحرمة. وكذلك الوطء الموجب يشترك في حرمته الرجل والمرأة، فوجب أن يكون الرضاع كذلك.
  فإن قيل: اللبن للمرأة دون الرجل؛ بدلالة أنها تأخذ بدل إرضاعها الولد.
  قيل له: لا معتبر بما ذكرت، وذلك أن لبن الأمة يكون لسيدها في باب
(١) الأحكام (١/ ٤٢٨).
(٢) شرح مختصر الطحاوي (٥/ ٢٥٥، ٢٥٦).
(٣) في (ج، د): ابنته رضاعاً.