شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في الإحصار وفيمن يأتي الميقات عليلا

صفحة 547 - الجزء 2

باب القول في الإحصار وفيمن يأتي الميقات عليلاً

  إذا أحصر المحرم لمرض مانع من السير أو عدوٍ يخافه أو حبس من ظالم بعث بما استيسر من الهدي، والهدي أقله شاة.

  وهذا منصوص عليه في الأحكام والمنتخب⁣(⁣١).

  وروى النيروسي عن القاسم #: أقل الهدي شاة.

  ولا خلاف أن الإحصار يكون بالعدو.

  واختلفوا في المرض، فكان ما ذهبنا إليه من أنه يوجب الإحصار قول زيد بن علي @ وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه.

  وقال الشافعي: لا حصر إلا بالعدو.

  وروي نحو قولنا عن عطاء وابن مسعود وابن عباس، رواه عنهم الطحاوي⁣(⁣٢).

  والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اَ۪سْتَيْسَرَ مِنَ اَ۬لْهَدْيِۖ}⁣[البقرة: ١٩٥]، ولا خلاف عند أهل اللغة أن الإحصار يستعمل في المرض، والحصر في العدو، وقد قال تعالى: {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ}⁣[التوبة: ٥]، فإذا ثبت ذلك وجب أن يكون المرض المانع مراداً بالآية، فأما حصر العدو فإذا أثبتناه مراداً بالآية فإنما يثبت بالدلالة⁣(⁣٣)، والظاهر يوجب أن يكون المراد به منع المرض، فصح ما ذهبنا إليه.

  فإن قيل: ما تنكرون على من قال لكم: إن الآية وردت في سبب، وذلك أنها إنما نزلت في حصر النبي ÷ والمسلمين في الحديبية، وكان ذلك حصر العدو، فيجب حمل الآية على ذلك؟


(١) الأحكام (١/ ٢٧٢)، والمنتخب (٢٠٣).

(٢) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٢/ ٢٥١) عن ابن مسعود وابن عباس.

(٣) في البحر الرائق: وألحق به الحصر بالعدو دلالة بالأولى؛ لأن منع العدو حسي لا يتمكن معه من المضي، بخلافه مع المرض؛ إذ يمكن بالمحمل والمركب.