باب القول في حد السارق
  قيل له: لأن ذلك يكشف لنا عن أن القذف لم يكن جناية، ومثاله أن يقر المسروق منه أنه ملك للسارق، أو يقر أنه كان أذن له في أخذه، فيسقط عنه القطع؛ لأن ذلك يكشف لنا أن ما فعله لم يكن جناية.
  فإن قيل: فالقطع لا يجب إلا بخصومة المسروق منه، وإذا رده عليه لم تثبت له خصومة.
  قيل له: لسنا نسلم ذلك، بل عندنا يجب القطع بحصول السرقة خاصم أو لم يخاصم؛ لأنه حق الله ø كحد الزنا والشرب، وليس هو كحد القذف، يدل على ذلك ما روي أن رسول الله ÷ قطع من اعترف عنده بالسرقة بعد قوله: «ما إخالك سرقت» مرتين أو ثلاثاً، ولم يرو أنه كان هناك مخاصم، وكذلك ما روي أن رجلاً جاء إلى النبي ÷ فقال: إني سرقت جملاً لبني فلان، فبعث إليهم فقالوا: فقدنا جملاً لنا؛ فقطعه، وقولهم: فقدنا جملاً لنا ليس بدعوى ولا خصومة، فثبت أن القطع يجب من غير خصومة مثل حد الخمر والزنا.
مسألة: [في العفو عن السارق أو تملكه للمسروق قبل الرفع إلى الإمام]
  قال: ولو أن صاحب السرقة والشهود عفوا عن السارق ولم يرفعوه إلى الإمام كان ذلك لهم، ولم يكن للإمام أن يتبعهم(١). وإن وهب صاحب السرقة من السارق ما سرقه بعد ما رفعه إلى الإمام لم يسقط القطع(٢).
  أما عفوهم وسترهم عليه قبل رفعهم إلى الإمام فلا خلاف في أنه جائز ومندوب إليه، ويدل عليه ما روي فيمن سرق رداء صفوان فرفعه إلى النبي ÷، فلما أراد قطعه قال: وهبته له، فقال ÷: «هلا كان قبل أن ترفعه إلي»(٣) وهذا يدل على أن هبته له بعدما رفع لا يسقط عنه القطع، وبه قال
(١) في الأحكام: يتبعه.
(٢) الأحكام (٢/ ١٨٨) والمنتخب (٦٢٠).
(٣) أخرجه بلفظ الهبة أحمد في المسند (٢٤/ ٢٠) وبلفظ: فهلا قبل أن تأتيني به.