باب القول فيما يجب على المحرم من الكفارات
  من الاجتهاد، ثم رجعوا بعد هذا التقويم إلى اجتهاد آخر، وهو تقويم الإطعام، ثم أسندوه إلى تقديره بالصيام الذي هو المنصوص عليه، فبان أن اعتبارنا وليه النص، وأن اعتبارهم وليه الاجتهاد(١) بعد اجتهاد يليه النص، فوضح ما ادعيناه من قوة اجتهادنا وترجيحه على اجتهادهم.
  ووجه آخر: وهو أنا اعتبرنا الإطعام - وهو أضعف رتبة في الكفارات - بالصيام الذي هو أقوى رتبة فيها، وهم اعتبروا الصيام الذي هو الأقوى بالإطعام الذي هو الأضعف، وهذا خلاف موضوع الاعتبار؛ لأن الاعتبار موضوع على أن يرد الأضعف إلى الأقوى.
  فإن قيل: ولم ادعيتم أن الإطعام أضعف رتبة في الكفارة من الصيام؟
  قيل له: لأنا وجدنا الصيام ثبت في أغلظ الكفارات دون الإطعام، وهو كفارة القتل، ووجدنا كفارة الظهار رتب فيها الصيام(٢) على الإطعام، وكذلك كفارة الصيام عند أكثر العلماء، فدل ذلك على ما ذكرناه من قوة رتبة الصيام في الكفارات.
  فإن قيل: فقد أخرت رتبة الصيام في كفارة اليمين عن رتبة الإطعام؟
  قيل له: قد حصلت له قوة أخرى، وهي أنه جعل صيام ثلاثة أيام بدل إطعام عشرة مساكين، ووجدنا أيضاً في فدية الأذى قد حصلت له هذه المزية، ولا مزية إلا ما ذهبنا إليه من استيفاء تقدير الإطعام منه، فصح ما ذكرناه.
فصل: [في أن عدل البدنة صوم مائة يوم أو إطعام مائة مسكين، والبقرة سبعون]
  فإذا ثبت في الشاة ما ذكرناه وجب أن يعدل عن البقرة من أراد الصيام إلى صيام سبعين يوماً؛ لأنه لا خلاف أن البقرة تقوم مقام سبع شياه في الهدايا عند عامة العلماء، وقد دلت الدلالة على ذلك على ما نبينه في موضعه.
(١) في (أ): اجتهاد.
(٢) الأولى: رتب الإطعام على الصيام فليتأمل. (من هامش ب، د).