باب القول فيما تجوز فيه الوصية وما لا تجوز
مسألة: [فيمن أوصى لمساكين وجعل عبده كأحدهم]
  قال: ولو أنه أوصى لمساكين معروفين معدودين وجعل عبده في الوصية كأحدهم جازت الوصية لهم جميعاً، وعتق العبد بحصته، وسعى في باقي قيمته إن زادت القيمة على حصته(١).
  ووجهه: أنه ملك العبدُ جزءاً من نفسه معلوماً فأوجب ذلك عتقه؛ لأن العبد لا يملك نفسه على حد ما يملكه سيده، وإنما ملكه نفسه هو عتقه، فإذا وجب عتق بعضه وجب عتق سائره؛ لأن العتق لا يتبعض.
  وأوجبنا السعاية إن زادت قيمته على قدر حصته لأنه حق للورثة، وهذا قد مضى تفصيله في كتاب العتق.
  قال: وإن أوصى لمساكين غير معدودين وجعل العبد كأحدهم بطلت وصية العبد(٢).
  ووجهه: أن الوصية لا تتعين في شيء بعينه؛ لأن للورثة أن يخرجوا الثلث من أي موضع شاءوا، فلا يحصل للموصى لهم شركاً في التركة، فلم يجب أن يملك العبد جزءاً من نفسه، وليس كذلك إذا أوصى بثلثه لقومٍ معدودين بأعيانهم؛ لأنهم يصيرون شركاء في التركة، فإذا كان العبد معهم كأحدهم صار هو أيضاً شريكاً(٣) في التركة، فصار شريكاً في نفسه.
  ووجه بطلان الوصية للعبد: أنه ليس يأخذ بالفقر، ووصيته مجهولة؛ لأنها غير معلومة أنها وصية بماذا، وحكى مثل هذا القول عن عطاء في اختلاف الفقهاء. قال أبو حنيفة والشافعي في مثله: يعطي الورثة ما شاءوا، وشبهوه بمن أقر أن لفلان عليه شيئاً أنه يفسره بما شاء. وبينهما فرق، وذلك أن الإقرار خبرٌ
(١) المنتخب (٥٤٢).
(٢) المنتخب (٥٤٢).
(٣) «شريكاً» ساقط من (أ، ج).