باب القول في وجوب الأجرة
  قبض جاز له أن يؤاجر غيره بمثل ما استأجره؛ لأن منافعه قد صارت له حكماً فجازت فيه التولية كما تجوز في السلعة. على أني لا أحفظ فيه خلافاً.
  فأما إجارتها بأكثر مما استأجر فلا يجوز؛ لأنه ربح ما لم يضمن، وقد نهى ÷ عن ربح ما لم يضمن؛ لأن المنافع لم تحصل بعد في ضمانه بالقبض لها.
  فإن قيل: ألستم قلتم: إن المنافع صارت في حكم المقبوض، فهلا أجزتم الربح فيها؟
  قيل له: إن المنافع في الحقيقة غير مقبوضة، وإنما قلنا: إنها في حكم المقبوض في مواضع دلت الدلالة عليه(١)، فأما على التحقيق فلا يجوز أن تكون مقبوضة؛ ألا ترى أنه لو هلك الشيء المستأجر بطلت الأجرة؟ فلهذا لم يجز الربح فيه.
  على أن المنافع لا تملك أيضاً على الحقيقة، فيكون ذلك ربح ما لم يملك؛ لأن المنافع لا تملك بنفس العقد؛ لأنها معدومة في الحقيقة.
  فإذا أذن له فيه صاحبه - أعني الإجارة بأكثر مما استأجر به(٢) - فإن أصحابنا أجازوه؛ لأن المستأجر إذ ذاك يكون تصرفه كأنه من قبل المستأجر منه، فكأن الربح حصل له حكماً ثم انتقل إلى المستأجر.
مسألة: [فيمن أخذ غزلاً على أن ينسجه عشرة أذرع فنسجه اثني عشر ذراعاً]
  قال: ولو أن حائكاً أخذ غزلاً على أن ينسجه عشرة أذرع فنسجه اثني عشر ذراعاً كان له أجرة عشرة أذرع، وكان في الذراعين متبرعاً(٣).
  وذلك أن الإجارة تناولت عشرة أذرع، فوجب أن يكون المستحق هو أجرتها فقط، وأما الذراعان فلم تتناولهما الإجارة على وجه الصحة ولا على وجه الفساد، ولا على وجه يجري مجرى الفاسد، فلم يجب أن يستحق لهما شيئاً، وكان
(١) كذا في المخطوطات.
(٢) «به» ساقط من (أ، ب، ج، د).
(٣) المنتخب (٤٧٣).