شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في الوقف

صفحة 495 - الجزء 4

باب القول في الوقف

  يجوز للرجل أن يقف ضيعته وداره وما يملكه من الحيوانات وغير ذلك على القريب والبعيد، مؤبداً وغير مؤبد⁣(⁣١).

  معنى قولنا: مؤبداً وغير مؤبد هو أن الوقف يصح سواء ذكر لمصرفه وجهاً يتأبد أو لم يذكر وذكر وجهاً ينقطع، فإن كان ذكر لمصرفه وجهاً يتأبد فلا خلاف في صحته بين القائلين بصحة الوقف، وإن لم يذكر صح الوقف على ما نبينه ونبين الكلام في مصرفه.

  ومن أصحابنا من ظن أن معناه أن الشيء يكون وقفاً مدة ثم يرجع إلى المالك ملكاً له، وهذا غلط؛ لأن الوقف إذا استقر لم يرجع ملكاً بتة؛ لما نبينه.

  وذهب العلماء بأجمعهم إلى صحة الوقف، غير أبي حنيفة فإنه يذهب إلى أنه لا يصح، وأن للواقف الرجوع إن شاء، ولورثته بعده إن شاءوا.

  والأصل فيه: ما ثبت من الروايات المتظاهرة أن النبي ÷ وقف.

  ويدل على ذلك ما روي عنه ÷: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة»، فبين أن شريعته وشريعة من مضى من الأنبياء أن الإرث لا يتناول ما تركوه على وجه الصدقة، فدل ذلك على صحة الوقف.

  فإن قيل: ما تنكرون أن يكون المراد به لا نورث بتة؟

  قيل له: ما ذكرناه هو حقيقة اللفظ؛ لأن الإنسان الحر لا يورث، وإنما يورث ما تركه، فنفى الإرث عن المتروك على وجه الصدقة؛ لأن ذلك لو لم يكن كذلك لكان الكلام يتم عند قوله: «لا نورث ما تركناه»، وكان يبقى قوله: «صدقة» منفرداً لا يتعلق به ما قبله، وذلك إخراج له من الفائدة، فصح ما قلناه.


(١) المنتخب (٥٦٤).