باب القول في الشهادات
مسألة: [في شهادة الإنسان على من قال له: لا تشهد علي بما تسمع مني]
  قال: ولو أن رجلاً قال لإنسان: لا تشهد علي بما تسمع مني ثم جرى في كلامه إقرار بحق لإنسان جاز له أن يشهد عليه(١).
  وبه قال أبو حنيفة وأصحابه؛ لأنهم يجيزون شهادة المختبئ، وهذا في معناه، وعن مالك أنه أجاز ذلك(٢) في القذف والطلاق، وحكي عنه منع ذلك(٣) في المعاملات ونحوها، وعن ابن شبرمة أنه لم يجوز ذلك.
  والأصل في ذلك قول الله ø: {إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَۖ ٨٦}[الزخرف]، وقوله: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا}[يوسف: ٨١]، فكل من علم شيئاً جاز له أن يشهد به ما لم يمنع منه مانع.
  وروي عن النبي ÷ أنه قال: «إن علمت مثل هذه الشمس فاشهد، وإلا فلا»، فأمر بالشهادة متى علم، ومن سمع الإقرار علمه، فله أن يشهد به، ولا يؤثر فيه [ترك](٤) الإشهاد وقول المقر: لا تشهد.
  فإن قيل: روي عنه ÷ [أنه قال: «خير أمتي القرن الذي(٥) بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم](٦) يجيء قوم يشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون»(٧).
  قيل له: يحتمل أن يكون المراد أنهم يشهدون من غير أن يعلموا، ويحتمل أنهم لا يستشهدون لظهور جرحهم وفسقهم، فيكون الذم حاصلاً بقوله: «ولا
(١) المنتخب (٥١٩).
(٢) «ذلك» ساقط من (ب، د، هـ).
(٣) في (ب، د): وحكي عنه أنه منع من ذلك. وفي (هـ): أنه منع ذلك.
(٤) ما بين المعقوفين من شرح القاضي زيد.
(٥) في (هـ): الذين.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٧) أخرجه البخاري (٥/ ٣) ومسلم (٤/ ١٩٦٢، ١٩٦٣، ١٩٦٤).