باب القول في الضوال واللقط
  أنفق على اليتيم بنية الرجوع عليه كان ذلك له، وإنما كان ذلك كذلك لأن لكل واحد منهما ضرباً من الولاية على من(١) أنفق عليه، وقد علمنا أن للملتقط ضرباً من الولاية على ما التقطه؛ لأنه يلزمه حفظها، ومخاصمة من غصبها عليه بعد الالتقاط، ويلزمه الإنفاق، فيجب أن يصح منه الرجوع بما أنفق؛ لما له من الولاية.
  فإن قيل: لو أن رجلاً أطعم جائعاً يخاف الموت عليه أو سقاه كان بذلك متطوعاً، فكذلك ما أنفق على الضوال واللقط.
  قيل له: الفرق بينهما أن المطعم لا ولاية له على الجائع، وقد بينا أن للملتقط ضرباً من الولاية، فلم يجب أن يكون حكمه حكم المطعم. وأيضاً لو لم نجعل له ذلك كنا قد ألزمناه ضرراً لم يختره ولم يلزمه.
  فإن قيل: يجب أن يكون قد اختار ذلك الضرر بالأخذ والالتقاط.
  قيل له: لو كان(٢) اختاره ولزمه ذلك لم يرجع(٣) وإن أنفق بإذن الحاكم، ألا ترى أن الزوج لما لزمه الإنفاق على المرأة لم يرجع عليها وإن أنفق بإذن الحاكم؟
فصل: [في عدم كراهة أخذ الضوال إذا أخذت للتعريف والحفظ]
  وقوم كرهوا أخذ الضوال وإن أخذت للتعريف ولحفظها على أصحابها، استدلالاً بقوله ÷: «ضالة المسلم حرق النار»، وقوله: «لا يؤوي الضالة إلا ضال»، وليس الأمر على ما ذهبوا إليه؛ لأن الخبرين وردا على وجه يتبين(٤) المراد به، وذلك أنه روي عن مطرف عن أبيه قال: قدمنا على رسول الله ÷ في نفر من بني عامر، فقال: «ألا أحملكم؟» فقلنا: نجد في الطريق
(١) في (أ، ج، هـ): ما.
(٢) «كان» ساقط من (أ، ج).
(٣) في المخطوطات: يضمن. ولعل ما أثبتناه الصواب.
(٤) في (أ، ب، ج، د): يبين.