باب القول في صيام النذور والظهار وقتل الخطأ
  فإن قيل: إذا كان الصوم لا يجب بالنية إذا انفردت عن القول فيجب ألا يجب بها التتابع.
  قيل له: النية لا مسرح لها في الإيجاب إذا انفردت، ولها مدخل في إيقاع اللفظ على أحد الوجهين اللذين(١) يحتملهما على ما بيناه، فلم يمتنع أن يقع اللفظ بها على الصوم المتتابع، فيكون الإيجاب في الحقيقة راجعاً إلى القول، ويكون تأثير النية في صرفه من وجه إلى وجه.
  وقلنا: إن الإيجاب لا يكون إلا بالأقاويل لأن إيجاب ما لم يوجبه الله ابتداءً من العبادات لا يخلو: إما أن يكون بالدخول أو بالنية أو باللفظ الموجب، وقد دللنا أن الصوم لا يجب بالدخول فيه في كتاب الصلاة، ولا خلاف أنه لا يجب بالنية، فلم يبق إلا أنه يجب بالقول. على أنه لا خلاف أن النذر لا يكون إلا بالأقوال.
  والذي يدل على وجوب الوفاء بالنذور قوله تعالى: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اِ۬للَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمْ}[النحل: ٩١]، وقوله سبحانه: {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِۖ ١}[المائدة].
  وروي عن النبي ÷ أنه قال لعمر حين قال: كنت نذرت اعتكاف يوم: «أوفِ بنذرك»(٢)، وقال للتي نذرت أن تحج ماشية: «لتحج وتركب وتهدِ»(٣)، والمسألة وفاق لا خلاف فيها.
مسألة: [فيما يلزم من جعل على نفسه صيام سنة]
  قال: وإن جعل على نفسه صيام سنة صامها وأفطر العيدين وأيام التشريق ثم قضاها وقضى شهر رمضان، إلا أن يكون استثنى ما ذكرنا أو بعضه بنيته.
  وهذا منصوص عليه في الأحكام(٤).
(١) في (أ، ج، د): الذي.
(٢) أخرجه البخاري (٣/ ٤٨)، ومسلم (٣/ ١٢٧٧).
(٣) أخرجه أبو داود (٢/ ٤٤١)، وأحمد في المسند (٤/ ٣٨).
(٤) الأحكام (١/ ٢٣٦).