باب القول فيما تضمن به النفس وغيرها وما لا تضمن
مسألة: [فيمن وقف دابته في الطريق فجنت أو عثر بها عاثر]
  قال: وكذلك من وقف دابته في طريق من طرق المسلمين فصاحبها ضامن لما أحدثت بيدها أو رجلها(١).
  ووجهه: أن الطريق إنما هو للاستطراق، فإذا وقف فيه دابة مربوطة أو غير مربوطة كان متعدياً فيما فعل، فيجب أن يضمن ما يكون منها من أي وجه كان بيدها أو رجلها أو صدمها أو عضها أو عثار الإنسان بها؛ لأنه بمنزلة من وضع حجراً في طريق أو حفر بئراً، بل واضع الحجر وحافر البئر أحسن حالاً منه؛ لأن الحجر والبئر لا فعل لهما، وإنما يعنت الإنسان بفعله عندهما، والبهيمة لها فعل، فقد يعنت الإنسان بفعله عندها بأن يعثر بها، وقد تحدث هي أيضاً ما يؤدي إلى التلف والإعنات، فيجب أن يحصل لواقفها الضمان من وجهين، ولم يحصل للحافر وواضع الحجر إلا من وجه واحد.
  فإن زالت الدابة عن مكانها الذي وقفها فيه صاحبها فلا ضمان فيما تحدثه؛ لقوله ÷: «العجماء جبار»(٢) وليس فيه لصاحبها فعل؛ إذ قد خرج عن التعدي بمفارقة الدابة مكانها وصارت منفلتة، وعلى هذا يجب أن يكون الإنسان إن وضع حية أو عقرباً في طريق من طرق المسلمين فلسعتا في موضعهما أن يكون الواضع ضامناً لذلك، فإن انسابت الحية أو دبت العقرب عن موضعهما إلى غير ذلك الموضع ثم لسعتا لم يضمن الواضع، وعلى هذا يجب أن يكون حكم من وقف كلباً أو سبعاً أو غيرهما في طريق من طرق المسلمين؛ لأن القياس في الجميع واحد.
  قال القاسم #: ذكر عن علي # قال: (من وقف دابته في طريق من طرق المسلمين أو سوق من أسواقهم فهو ضامن لما أصابت بيدها أو رجلها)(٣).
(١) في (أ، ج، هـ): بيديها أو رجليها.
(*) الأحكام (٢/ ٢٢٨).
(٢) أخرجه البخاري (٢/ ١٣٠).
(٣) وأخرجه في مجموع الإمام زيد بن علي @ (٢٣٥).