باب القول في أدب القاضي
  أنه ممن لا تصح شهادته، فكذلك الحاكم. وأيضاً لا خلاف أن القاضي إذا علم الشيء بخلاف ما وقعت عليه الشهادة سواء علمه قبل القضاء أو بعده لم يجز له الحكم بتلك الشهادة، فبان أن علمه أقوى من الشهادة على أي حال حصل العلم له.
مسألة: [في وجوب سماع كلام الخصمين وفهمه قبل القضاء لأحدهما]
  قال: ويجب على القاضي إذا تقاضى إليه خصمان ألا يقضي لأحدهما حتى يسمع كلامهما ويفهمه(١) ويتثبت في حججهما(٢).
  والأصل في ذلك: ما رواه زيد بن علي عن أبيه، عن جده، عن علي $ أن النبي ÷ قال له حين بعثه إلى اليمن: «يا علي، إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تعجل بالقضاء بينهما حتى تسمع ما يقول الآخر»(٣)، وقد قيل: إن الذي تاب منه دواد صلى الله عليه وسلم أنه حكم بتظليم أحد المتداعيين قبل استماع كلامه على ما حكى الله ø حين قال: {۞وَهَلْ أَتَيٰكَ نَبَؤُاْ اُ۬لْخَصْمِ}[ص: ٢٠]، إلى قوله: {وَعَزَّنِے فِے اِ۬لْخِطَابِۖ ٢٢ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَيٰ نِعَاجِهِۦۖ}[ص: ٢٣]، فنبهه الله على الخطأ بقوله: {فَاحْكُم بَيْنَ اَ۬لنَّاسِ بِالْحَقِّ}[ص: ٢٥]، فجعل الحكم بالحق بعد سماع قول الخصم.
  ولأنه لا يجوز له أن يحكم حتى يتبين له الحق، ولا يتبين له الحق حتى يسمع كلامهما ويتثبت في حججهما مع التمكن من ذلك؛ لأن عليه الاحتياط وبذل المجهود في التوصل إلى معرفة الصحيح من الفاسد.
(١) «ويفهمه» ساقط من (هـ).
(٢) الأحكام (٢/ ٣٥٠).
(٣) مجموع الإمام زيد بن علي @ (٢٠٤).