باب القول في المهور
  قيل له: تأويله عندنا أنه أراد به إني أزوجك لما معك من القرآن كما يقال: زوجتك لدينك ولشرفك، أو يقال: أزوجك على أن تحسن عشرتها وتتقي الله تعالى فيها، ولا يكون المراد في شيء من ذلك أنه مهر. ولا خلاف أنه إذا قال: «أتزوجك على طلاق زوجتي فلانة» أنه لا يكون مهراً، فكذلك إذا تزوجها على تعليم القرآن، والمعنى أن كل واحد منهما مما لا يجوز أن يستحق به المال.
  وأما ما روي أن سرية لرسول الله ÷ مرت بحي من أحياء العرب قد لدغ سديهم فسألوهم هل فيهم من يرقي؟ فرقاه بعضهم بفاتحة الكتاب فعوفي، فأعطوهم ثمانين شاة، فلما قدموا على النبي ÷ عرفوه فقال ÷: «اضربوا لي معكم بسهم»(١) وما جرى مجرى هذا من الأخبار - فإن جميعه عندنا على سبيل الهدية والصلة لا على سبيل الأجرة؛ لما بيناه آنفاً، والإنسان قد يهدى إليه لدينه وفضله وإن كان لا يستحق(٢) الأجرة على ذلك، فلا وجه لتعلقهم بذلك.
  وليس لهم أن يتعلقوا بقوله سبحانه: {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِۖ ١}[المائدة] وبقوله ÷: «المؤمنون عند شروطهم»(٣)؛ لأنا نأمره بالوفاء بذلك، ولا خلاف فيه، وإنما الخلاف في أنه يكون مهراً أو لا، واعتبارنا أقوى؛ لأنه يفيد إثبات حق في مال، ولأن سائر العبادات تشهد لنا.
مسألة: [في الواجب للمرأة إذا زوجت بغير مهر وطلقت قبل الدخول بها]
  قال: فإن طلقها قبل أن يدخل بها كان لها عليه المتعة.
  وهذا منصوص عليه في الأحكام(٤) في كل من تزوج بغير مهر ثم طلق قبل الدخول، ولا متعة عندنا لغير من ذكرنا، وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي.
(١) أخرجه البخاري (٧/ ١٣٣) ومسلم (٤/ ١٧٢٧).
(٢) في (د): وإن كان لا يجوز أن يستحق.
(٣) أخرجه الدارقطني في السنن (٤/ ٢٧٥) والحاكم في المستدرك (٢/ ٥٧).
(٤) الأحكام (١/ ٢٩٥).