باب القول في الشهادات
  خلاف أن مجرد الشهادة لا يوقع العقد، وإنما الخلاف إذا حكم بها الحاكم هل يوقع حكم العقد أو لا؟ فلا بد من تأويل الحديث، وإلا فلا ظاهر له، فنقول: يحتمل أن يكون # أراد أن الشهود لما شهدوا كانوا سبباً لكون الزوجية في الظاهر، فليس علينا سماع ما تقولينه وتدعينه في الباطن، وهذا لا يوجب ما تذهبون إليه.
  ويمكن أن يستدل في المسألة بقول النبي ÷: «لا نكاح إلا بولي وشهود» فلا يكون نكاح بلا ولي يزوج بحضرة شهود(١)، فإذا ثبت ذلك في النكاح ثبت في سائر العقود إذا حكم بها من غير أن يكون هناك أمر(٢) يقصد إلى إيقاعه، والحاكم في مسألتنا لا يقصد إلى إيقاع العقد ولا إيقاع الفسخ.
  وهم ربما قالوا: إن الحاكم لا يحكم بالملك، وإنما يحكم بالتسليم.
  فيقال لهم: لا بد على هذا أيضاً من أن يكون حكم بوجوب التسليم، ولا يصير التسليم واجباً لحكمه في الظاهر إذا كان الباطن بخلافه، وهذا يسقط كل ما يشغبون به في هذا الباب.
فصل: [في تضمين الشهود إذا رجعوا بعد الحكم]
  قال في الأحكام(٣): إذا رجع من شهود الزنا واحد بعد الرجم وادعى الخطأ ضمن ربع الدية.
  فدل ذلك على أنه يضمن الشهود على قدر عددهم، فلو شهد رجلان على مال ثم رجعا ضمن كل واحد منهما نصف المال، وكذلك لو شهد ثلاثة ثم رجعوا ضمن كل واحد منهم ثلث المال، ولو شهد ثلاثة ورجع واحد منهم لم يضمن الراجع عند أبي حنيفة وأصحابه، وبه قال أكثر العلماء، وذلك أنه قد بقي
(١) في (ب، د، هـ) بعد الحديث إلى هنا: فإذا لم يكن ولي وشهود فلا يكون نكاح.
(٢) في (أ، ب، ج، هـ): من.
(٣) الأحكام (٢/ ١٦٥، ١٦٦) وفيه: كان عليه ربع أرش الضرب وربع الدية.