باب القول في حد السارق
  والرابعة، وأنا لا نجعل حداً ما لا دليل عليه من النص أو الاتفاق(١) أنه حدٌ، وقطع اليد اليسرى والرجل اليمنى لم يرد بكونه حداً نصٌّ ولا حصل عليه إجماع، فصار فعله محظوراً كقطع الأذن والأنف وغيرهما من الأعضاء على سبيل الحد، وهذا عهد الله ظاهر.
  على أن الشيء إذا ثبت أنه حد فيجوز أن يختلف في موضع، ويثبت في موضع دون موضع بالاجتهاد، فأما ما لم يثبت فيه أنه حد بتة فكيف يثبت من طريق الاجتهاد بكونه حداً؟ وهذا خلاف دين المسلمين، وقطع الرجل اليمنى من ذلك، وكذلك قطع اليد اليسرى، إلا أنه في الرجل اليمنى أظهر.
مسألة: [فيمن سرق وأصابع يده مقطوعة]
  قال: ولو أن رجلاً قطعت أصابع يده فسرق قطع ما بقي من يده إلى الكوع.
  وذلك أنه يستحق بالسرقة إتلاف يمينه إلى المفصل، فتلف ما تلف منها لا يمنع من إفاتة الباقي المستحق، ويشهد لذلك سائر الحقوق، ألا ترى أن رجلاً لو قتل رجلاً فقطعت يد القاتل قبل القصاص أو قبل الجناية لم يمنع ذلك من استيفاء القود في الباقي، وكذلك من باع عبدين في صفقة فتلف أحدهما قبل التسليم لم يمنع ذلك من تسليم الباقي.
  ولا فصل في هذا بين أن تكون أصابعه قطعت قبل السرقة أو بعدها؛ للوجه الذي بيناه.
مسألة: [فيمن قطعت يده اليسرى أو رجله اليمنى غلطاً]
  قال: ولو أن سارقاً قطعت يده اليسرى غلطاً لم تقطع يده اليمنى، وكذلك إن قطعت رجله اليمنى غلطاً(٢).
  وذلك لما بيناه من أنه لا يجوز أن تفوت منافع يديه جميعاً لحد السرقة، ولو
(١) في (ب، د): والاتفاق.
(٢) الأحكام (٢/ ١٩٣).