شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في كيفية الدخول في الصوم

صفحة 237 - الجزء 2

المسألة الأولى: [أن الصوم لا بد له من النية]

  قول عامة العلماء أنه لا بد في الصوم من النية، وقول زفر لا يحتاج إليها.

  والأصل في ذلك: قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اُ۬للَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اُ۬لدِّينَ}⁣[البينة: ٥]، فأخبر تعالى أنهم أمروا بالعبادة مع الإخلاص، والإخلاص من عمل القلب، وهو النية.

  وعن النبي ÷: «الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى»، فأخبر أن جميع الأعمال بالنيات؛ لأن دخول الألف واللام يقتضي التعميم، إلا ما خص منه الدليل، وقوله ÷: «إنما لامرئ ما نوى» دليل على أنه إذا لم ينو لم يكن له شيء؛ لأن إنما تدخل في الكلام لتفيد ما ذكرناه.

  وقوله: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل»⁣(⁣١) يدل على وجوب النية.

  فإن قيل: فأنتم تجوزون نية صوم رمضان في بعض النهار، فكيف تعلقتم بهذا الحديث؟

  قيل له: هذا الحديث دل على وجوب النية، ونحن بدلالة أخرى أجزناها في بعض النهار، ولو خلينا وظاهر هذا الحديث كنا لا نجيز الصوم إلا بنية من الليل.

  وهو قياس على الصلاة والزكاة والحج، والمعنى أنه عبادة مقصودة في نفسها، فكل عبادة مقصودة في نفسها يجب أن تكون النية شرطاً في صحتها.

  على أن الصوم قربة، والقربة لا بد فيها من النية. والأصول تشهد بصحة ذلك.

  فإن قيل: قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ اُ۬لشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُۖ}⁣[البقرة: ١٨٤] يوجب الصيام، وهو الإمساك، فمن أمسك فقد امتثل وإن لم يكن له نية.


(١) أخرجه النسائي (٤/ ١٩٧)، والبيهقي في السنن الكبرى (٤/ ٣٤٠) بلفظ: من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له.