شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في صيام النذور والظهار وقتل الخطأ

صفحة 308 - الجزء 2

  الحيض لعارض يعرض أقرب في العادات من عود من وصفنا إلى الصحة.

  فإن قاسوه على المرض الذي يعرض ويزول ففيه عن يحيى # روايتان على ما ذكرناه، على أنا قد بينا أن استكمال شهرين في حكم المتعذر على ما وصفنا، فرد حاله إلى الحيض لإسقاط الاستئناف وإجازة البناء أولى من رده إلى المرض الذي يزول؛ لأن أصول الشرع واردة بالتخفيف على من يتعذر عليه الأمر، بل لا يكلَّف إذا صح التعذر، والعقل أيضاً يوجبه ويقضي به، قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِے اِ۬لدِّينِ مِنْ حَرَجٖۖ}⁣[الحج: ٧٦]، وقال سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اُ۬للَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَاۖ}⁣[البقرة: ٢٨٥]، فكل ذلك يرجِّح قياسنا ويعضده.

  فأما المرض العارض فإن الاستئناف واجب متى أفطر من أجله؛ لأن حاله كحال الصحيح في أن استكمال شهرين مع التتابع ممكن له، فوجب أن يلزمه الاستئناف قياساً على من أفطر لغير عذر. وهذا القياس أولى من قياس من رده إلى الحيض بعلة أنه أفطر معذوراً، وذلك أنا وجدنا ما يفسد الصوم لا يتغير عن حكمه بين أن يكون معذوراً فيه أو غير معذور؛ ألا ترى أنه لو أكره على الإفطار وأفطر أو أفطر⁣(⁣١) لمرض أو سفر كان معذوراً، ولم يخرجه ذلك من أن يكون مفسداً للصوم؟ وكذلك التتابع، وما يتعذر فالأصل⁣(⁣٢) فيه أنه معفو، ألا ترى أن دخول الغبار والذباب الحلق صار معفواً عنه، وكذلك ابتلاع الريق؛ لتعذر الاحتراز منه، ويفسده ما يمكن الاحتراز منه؛ لأنه من أحكام الصوم، أعني التتابع.

  فإن قيل: فالحيض يفسد الصوم وإن لم يمكن الاحتراز منه، ولا يفسد التتابع.

  قيل له: الحيض يفسد الصوم لأنه لا يتعذر قضاء ما أفسد به؛ ولأنه ليس مما يعرض في جميع الأحوال أو عامتها، فكان في حكم الممكن احترازه، ولا يفسد التتابع لأنه لا يمكن التتابع من غير أن يعرض، فبان أن المعتبر في ذلك هو التعذر.


(١) «أو أفطر» ساقط من (أ).

(٢) - في (أ): والأصل.